Thread by @sameh_asker

معلومة
معظم علوم التراث الإسلامي كالناسخ والمنسوخ وعلوم القرآن وشرح الملل والفرق ظهرت تحت ضغط وظروف خاصة بزمانها، ثم أصبحت بعد ذلك علم منسوب للدين، وفي الحقيقة هي دخيلة من وضع البشر واجتهادات تعود لرجال البلاط والسياسة
في هذا الثريد سنشرح كيف حدث ذلك
#نقد_الموروث

أولا: الناسخ والمنسوخ وعلوم القرآن هي علوم ظهرت بالقرن الثالث الهجري في سياق الصراع مع المعتزلة بهدف علاج وتأويل مشكلات النص القرآني وتعارض بعض الآيات والأحاديث ظاهريا..وهذين العلمين بالذات نتيجة لقول الحنابلة وأهل الحديث بقِدَم النص واكتشافهم لتناقضات بحاجة لتبرير وشروح

ثانيا: المعتزلة قالوا أن نص القرآن حديث، أي هو كلام الله نزل حسب الزمان والمكان، بينما المحدثين قالوا بل هو قديم قدم الله نفسه، وبالتالي عندما يقول "تبت يدا أبي لهب" فقد ذكرت قبل نشوء الخليقة وبالطبع قبل ميلاد أبي لهب، أوجد ذلك مشكلات جبر وعدالة وطرح سؤال استفهامي عن معنى الحياه

ثالثا: تفسير أهل الحديث للنص القرآني سيجعل أبو لهب مجبر على النار، لأن القلم كان أسبق إليه في تحديد مصيره وبالتالي تشريع للمذهب الجبري، بينما المعتزلة قالوا أبو لهب دخل النار بأفعاله التي لا يعلم كائن بحدوثها، وبالتالي النص الذي نزل فيه حديث، وبلغة أهل ذلك العصر (مخلوق)

رابعا: بعد انحياز الخليفة المتوكل لأهل الحديث واضطهاده للمعتزلة حرق كتبهم تم قرر أن القرآن قديم بقوة السلطة، لكن ولأن مشكلات النص ظلت موجودة معهم تعوق تفسيرهم اخترعوا علم الناسخ والمنسوخ لتبرير وشرح تناقضات النصوص، فكانت هذه أول محاولة لظهور علوم القرآن في التاريخ

خامسا: بدأ الفقهاء الذين كلفهم المتوكل بتدوين الحديث وحل مشكلات النص في نسب كتب منحولة لرواة وفقهاء سابقين كقتادة بن دعامة وابن شهاب الزهري ونافع كأشهر راوة في العصر الأموي، لكن بالتحقيق يتبين أن هذه الكتب صنفت بداية من القرن الرابع، أي بعد موت قتادة وابن شهاب ب 200 عام على الأقل

سادسا: كتاب مسائل "نافع بن الأزرق" في غريب القرآن ذكر فيه أئمة الحديث الستة والشافعي، برغم أن نافع متوفي سنة 65 هـ أي صنف الكتاب بعد وفاة نافع ب 300 سنة تقريبا ،ثم نسبوا كلام نافع لابن عباس لتكون هذه المحاولة هي الأقدم على الإطلاق في تأليف علوم القرآن ونسبها لصحابة..

سابعا: أما كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة بن دعامة فمؤلفه الحقيقي هو " أبو القاسم بن سلامة المقري المتوفي سنة 410 هـ، بعد وفاة قتادة ب 300 سنة،ولا يوجد أقدم من أبي القاسم في توثيق كتاب بن دعامة، ولمزيد من الخداع والتدليس قام المقري بنسب رواية الكتاب لتلميذ قتادة "سعيد بن عروبة"

ثامنا: أما كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شهاب الزهري فهو كارثة في حد ذاته، لأن أقدم مخطوطة للكتاب كتبت بخط (النسخ) الذي اخترعه "ابن مقلة الشيرازي" أوائل القرن الرابع الهجري، والرواية الوحيدة للكتاب هي لابن الحسين السلمي المتوفي سنة 412 هـ أي بعد وفاة ابن شهاب ب 300 سنة تقريبا

تاسعا: من هنا تبين أن أقدم كتب منسوبة لصحابة وتابعين في ما يسمى "علوم القرآن" هي مكذوبة، وظهرت بداية من القرن الرابع الهجري في العصر العباسي الثاني، وهو التوقيت الذي بدأ فيه التصنيف في علوم القرآن ردا على المعتزلة والفلاسفة من جانب، ولتوفيق النص مع العلم من جانب آخر

عاشرا: ومن غرائب ما فعلته السلفية والأزهر في توثيق كتاب الزهري في الناسخ والمنسوخ..أنهم لم ينتبهوا أن ابن الحسين السلمي نسب الكتاب للزهري برواية "الوليد بن محمد الموقري" توفى 182 هـ وهو في حكم الحديث (متروك كذاب) فكيف قبلوا توثيق الكتاب وراويه الوحيد كذاب؟..هذا بافتراض صدق السلمي

حادي عشر: أما أشهر وأهم من تكلم في الناسخ والمنسوخ كان ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) الذي صنف 4 كتب مهمة عند الفقهاء.."مشكل القرآن - غريب القرآن - غريب الحديث - تأويل مختلف الحديث"..تقريبا كل الشيوخ يعتمدون على كتب الدينوري هذه في الرد على المعتزلة والعلمانيين والقرآنيين والشيعة

ثاني عشر: ما فعله ابن قتيبة الدينوري هو أكبر وأهم محطة في التراث تم تخليدها لتأسيس "علوم القرآن" رغم أن بعض أفكار الدينوري كانت غاية في السذاجة والسطحية، وأخطأ غلطات كبيرة شنع عليه فيها الإمام الفخر الرازي من قبل كتأويل ابن قتيبة حديث سحر النبي وجعله موافقا للقرآن..

ثالث عشر: الدينوري لم يكن فقط محدثا وفقيها بل كان ذكيا له علم بالفلسفة أخذها من الجاحظ..ثم شنّع على الجاحظ في كتابه "تأويل مختلف الحديث" بعد ذلك، ورجل بهذا الحجم يليق به تأسيس علم مستقل وجديد أثر في كل فقهاء السنة حتى اليوم..لدرجة أن ابن تيمية شهد بتكفير المغاربة لناقدي الدينوري

رابع عشر: ابن تيمية وصف "ابن قتيبة الدينوري" بخطيب السنة وأكثر من مدحه في تفسيره لسورة الإخلاص، وهو الذي نقل تكفير المغاربة لكل خصوم الدينوري وناقديه، دليل على أن ابن قتيبة في عصر ابن تيمية حصل على قدسية شبيهة بقدسية الشعراوي في زماننا عند بعض الفقهاء والعوام

خامس عشر: أما التصنيف في كتب الفرق والملل والنحل فبدأ بالتوازي مع حملة إنشاء "علوم القرآن" لكنه يشتد جدا خلال ما بين القرنين 4 إلى 7 الهجري لانشقاق الدولة العباسية في بغداد وقتها لعشرات الدول سنية وشيعية كانت الكتابة ضد الفرق المخالفة وقتها ليست مجرد اجتهاد بل نشاط مدفوع الأجر

سادس عشر:بداية من القرنين 4، 5 الهجريين بدأت تنشط الكتابة ضد الفرق الإسلامية الأخرى بتأثير السياسة وتشكيل الدول الفاطمية والقرمطية والبويهية والحمدانية المخالفة لمذهب الخليفة العباسي وأشهر من صنف فيها الغزالي والمعافري وابن حزم والشهرستاني..وهنا شرح مفصل
ahewar.org/debat/show.art…

سابع عشر: المتعمق في التراث سيجد أنه كلما حدث صراع ديني في عصر ما تخرج علوم مستحدثة وضعية، أذكر من بينها مصطلح "دار الحرب ودار الإسلام" هذا خرج في عز اكتساح الصليبيين والمغول ديار الإسلام وسبيهم للمسلمين، ثم بحث الفقهاء عن طريقة عيش المسلم في ديار الكفر..اللي هي ديار الحرب وقتها

ثامن عشر:أخر ما توصل إليه الشيوخ من علم مزيف هو "الإعجاز العلمي" والنصّاب زغلول النجار ورديفيه هارون يحيي وذاكر نايك، كلهم ظهروا لتسويق النص الديني وجعله حضاريا، فكلما ظهر علم أو اكتشاف يوفقوا بين الجديد والقديم بخلط شائن بين الصحيح والسقيم جعلوا فيه النص عرضة للأهواء والتكذيب

تاسع عشر: شيوخ الإعجاز العلمي قفزوا على حقيقة فكرية هامة رسخت في ضمير البشرية وأكدتها التجارب هي أن (الدين ثابت والعلم متغير) وبحماقة هؤلاء جعلوا الدين متغير حتى إذا ظهر اكتشاف أو حقيقة علمية انهار الدين من جذوره..لذا اعتبرت حركات كثيرة لادينية معاصرة هي رد فعل على هرطقات الإعجاز

عشرون وأخيرا: قصة اختراع العلوم ونسبها للدين مرتبط بظروف زمانية ومكانية، ويجب قبل الانخراط في تلك العلوم أن نتحرى الصدق فيها أولا، فالمتدين قد يهدم دينه بحُسن نية، ومثلما هدم مخترعي الناسخ والمنسوخ دينهم في نظر البعض هدم مخترعي الإعجاز العلمي دينهم في نظر البعض أيضا..