سأتحدّث إليكم - بعون الله - عن سبب قد يخفى على كثير من الناس وهو داؤهم الدوي الذي منعوا به إجابة كثير من دعواتهم، وحرموا به خيراً عظيماً وفضلاً كبيراً، فعاشوا في نكد يتقلبون فيه بين التسخّط والحرمان، والعياذ بالله.
هذا السبب ذكره الله عزّ وجلّ وبيّن أثره العظيم في مواضع من القرآن الكريم، وبيّن أنه لم يسلم منه إلا قليل، وما يزال بعض الناس لا يميّز بين الدعاء الصادق والأمنيات الباطلة؛ فيتمنَّى على الله الأماني ويتسخّط من عدم تحققها.
ذلكم السبب الخطير هو التفريط في شكر سوابق النعم بل ربما مقابلتها بالتسخّط والتبرّم ونسيان حقّ الله تعالى فيها، أو نسبة العبد ما هو فيه من النعمة لنفسه بذكائه أو مكانته {إنما أوتيته على علم عندي}
وربّما لو فتّش إنسان في نفسه وتفحَّص قلبه وجد فيه شيئا من هذا البلاء وآثاره.
كم من إنسان كانت نفسه تتوق إلى نعمة يتشوَّق لها ويتلهَّف عليها فلما آتاه الله إياها زهد فيها وفرّط في شكرها، ونظرها إليها نظر المستحقّ لها ولما هو أفضل منها، وربما سخطها وقارنها بما أوتي غيره وغفل عن قوله تعالى: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}
ولا يزال يدعو الله ثم يقابل نعمه بما لا يليق بها من الغفلة والجحود ورؤية النفس والتسخط ثم إذا عرضت له حاجة ودعا فيه ولم يُجب تعجّب وتسخّط وكيف يجاب لفلان وفلان وأنا أفضل منهم
وغفل عن الجواب العظيم: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}
يا من يتحسر على ما يرى من عدم إجابة دعوته تعاهد نفسك فيما مضى عليك من نعم الله ؛ كيف كان موقفك منها؟
- كيف تلقيتها؟ وكيف رعيت أمانتها؟
- هل أديت شكرها؟
- هل عملت فيها لله بما يحب؟
- هل أثنيت بها على الله؟
- هل شهدت فيها فقرك إلى الله وأنك لولا فضله ورحمته لم يكن لك أن تنالها؟
هذه الآية لو تدبرناها لاستغنينا بها وفقهنا سرّ الامتنان ومفتاحه: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين}
هذا إيماء جليّ يدل دلالة بيّنة على أنّ الشكر سبب المنّة من الله تعالى، والمنّة أوسع من إجابة الدعاء فما بالكم بإجابة الدعاء؟!
من أخطر ما يُعاقب به أهل الغفلة عن الشكر سلب النعم من حيث لا يشعرون.
فالجزاء من جنس العمل، غفل عن الشكر غفلةَ تجاهل وتناسي فاستحق أن يكون العقاب على غفلة منه.
فينظر إلى نفسه بعد مدّة فإذا به قد خسر وحُرم خيراً عظيماً.
وللتائب فرج...
من قصَّر فيما مضى فلا ييأس؛ فإنه لا يشقى مع الله أحد ينيب إليه ويتّبع رضوانه
وقد بيّن الله الفرج والمخرج ببيان بديع يتضمن إرشاداً ووعداً : {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم}
والعبرة بعموم لفظ الآية لا بخصوص سببها.
{إن يعلم الله في قلوبكم خيراً}
الخير الذي في القلوب هو ما يحبّه الله ويُعطي عليه من الإيمان به وشكر نعمته؛ فمن فقه ذلك عرف ميدان تنافس الصالحين ومتعلَّق إيتاء الخير والفضل، وأنه كلما كان نصيب قلبه من الخير أكبر كان رجاؤه لعطاء الله أعظم.
وأدرك أن صلاح الشأن من صلاح القلب.
من دلائل صحة القلب وصلاحه أن يكون طيباً تُثمر فيه النعمة؛ فيظهر أثرها، ويورق عودها، ويبهج منظرها وتؤتي أكلها كلَّ حين، حياة طيبةً، ورضاً وطمأنية، فيكون نعم المحلّ القابل للنعم الجديدة
لأنه متى أنعم عليه حفظ النعمة وشكر عليها فازداد خيراً إلى خير.
{وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}
من أدرك هذه الحقيقة أبصر المثل الذي ضربه الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم لقلوب عباده بالبلدان {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون}
إنه مثَل لا يفقهه إلا الشاكرون، ولا يعقله إلا العالمون، جعلني الله وإياكم منهم.
في هذه الآية ميزان بيّن يعلمه المؤمن من نفسه من حيث لا يعلم به غيره؛ إذ قد تشتبه الأحداث الظاهرة وتختلف الحقائق.
فأقيم النكد علامة على الخبث؛ وكلاهما متفاضل بل ربما وجد في بعض القلوب الصالحة شيء يسير منه.
فمن وجد نكداً فليبادر إلى إصلاح قلبه وتطهيره من سوء الظن بالله وقصد السوء.
بقي التنبيه إلى أمر مهم فيه مواساة للتائبين وإيناس للصالحين في
قول الله تعالى: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}
فمن أُنعم عليه بنعم، ونفسه تتوق إلى غيرها مما يراه أعظم وأفضل وهو لا يدرك الحقائق ولا العواقب فليعالج قلبه بالتوكّل على الله والرضا بما آتاه، والثقة به.
وقوله تعالى: {وكن من الشاكرين} ليس كما قد يظنّه بعضهم من أن المراد:واقتصر عليه
لكنّه إرشاد إلى السبيل الصحيح للزيادة والبركة؛ فما تريده من النعم فسبيله الشكر
وفي الحديث الصحيح: (الله يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله له، بارك الله له فيه، ووسَّعه، ومن لم يرض لم يبارك له)
تمت هذه التغريدات، وقد اقتبست لكم تغريدة سابقة فيما يتحقق به الشكر.
وأشكركم على المتابعة، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق لشكر نعمته وحسن عبادته وأن يمنّ علينا بعفوه ورضوانه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يخطئ كثير من الناس في فهم الحديث الوارد في فضل سورة البقرة ( أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)
ويظنّ أنّ مجرّد قراءتها يحصل به هذا الثواب
وقول النبي ﷺ (أخذها بركة) لفظ الأخذ أعم من مجرّد القراءة؛ فهو يشمل الإيمان بها وتعاهد تلاوتها والتفقه فيها واتّباع ما فيها من الهدى
وذلك أنّ كلَّ ما ينافي الأخذ الشرعي لسورة البقرة لا يتحقق به المطلوب، والنبي ﷺ قد أوتي جوامع الكلم فيدلّ قليل لفظه على كثير من المعاني.
- فمن لم يقبلها لم يأخذها
- ومن هجر تلاوتها لم يأخذها
- ومن أعرض عن التفقه فيها لم يأخذها
- ومن أعرض عما فيها من الهدى فلم يتبعه لم يأخذها
جمعت هنا الأحاديث الواردة في فضل سورة البقرة وصنفتها إلى صنفين:
- صنف للصحيح منها.
- وصنف للضعيف.
من دلائل سعة معاني القرآن تعدد الأوجه الإعرابية للمفردات والجمل القرآنية، ودلالة كلّ وجه على معنى بياني يختلف عن دلالات الأوجه الأخرى؛ فتدلّ الآية بوجوهها الإعرابية الصحيحة على معانٍ واسعة تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتعارض.
من الأمثلة العجيبة احتمال جملة {فلن يخلف الله عهده} في قول الله تعالى: {قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون} لخمسة أوجه إعرابية ؛ يؤدّي كلّ وجه منها معنى لا يؤدّيه غيره، وتكتمل هذه المعاني بإحكام بديع.
الوجه الأول: الجملة معترضة لا محلّ لها من الإعراب، و{أم} متّصلة، وتقدير المعنى على هذا الوجه: أتخذتم عند الله عهداً؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ واعترضت جملة {فلن يخلف الله عهده} بينهما لرفع توهّم خلاف المراد.
وهذا قول ابن عطية.
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فسأضع تحت هذه التغريدة -إن شاء الله- روابط ما يسَّر الله كتابته من #رسائل_التفسير تقريباً لهاً وتعريفاً بها رجاء أن يجعلها الله من العلم النافع والعمل المتقبَّل.
وأدعوا المعتنين بالتفسير للمشاركة في الوسم بما لديهم من رسائل تفسيرية.
وينبغي لطالب علم التفسير إذا اكتسب قدراً حسناً من دراسة التفسير وأصوله أن يعنى بكتابة الرسائل التفسيرية المفردة في مسائل ينتقيها، ويبدئ ويعيد في تهذيبها وتحريرها؛ فإنه ينتفع بذلك انتفاعا عظيماً في تنمية ملكته التفسيرية وتوسيع مداركه.
وقد كان لجماعة من العلماء عناية بكتابة #رسائل_التفسير
وهي من مظانّ التحرير العلمي وجواب ما قد يشكل، واستيفاء شرح مسائل الآيات وهداياتها بما قد لا يوجد نظيره في التفاسير الكبيرة.
وكم من عالم لم يؤلّف تفسيراً تاماً للقرآن وله رسائل في التفسير تنبي عن إمامته وتقدّمه في علم التفسير
- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟
فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم وغيره.
وظاهر النصّ أنه يكفّر حتى الكبائر لغير المصرّ عليها؛ والناس يتفاضلون في إحسان الصيام؛ فكلما كان الصيام أحسن
كأن أثره في تكفير الذنوب أعظم.
ومما يعين على حفظ الصيام المكث في المسجد أو المكث في البيت والاشتغال بالدعاء والذكر والتلاوة
قال الحسن البصري: (أوّل من عرّف بالبصرة ابن عباس).
والتعريف أن يخطب بالناس في المسجد؛ فيعظهم ويتلو عليهم القرآن ويفسّره، وقد روي أنه كان يقرأ عليهم سورة البقرة عشية عرفة فيفسرها آية آية
- وقال موسى بن أبي عائشة : «رأيت عمرو بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع الناس إليه» رواه ابن أبي شيبة
وعمرو بن حريث المخزومي رضي الله عنه ولد قبل الهجرة بسنة أو سنتين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من قراء الصحابة زمن عمر بن الخطاب، وبعثه مع من بعثهم إلى الكوفة لتعليم الناس
وإذا أحسن طالب العلم دراسة مسائل الخلاف القويّ، وبعض مسائل الخلاف المتوسّط كان ما بعدها أيسر عليه.
(3) من أشهر من سلك هذه الطريقة في تعليم التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فله كتاب فيه "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" وذكر ابن رشيّق له أكثر من سبعين رسالة أفردها في بعض مسائل التفسير، بعضها في مجلد وبعضها في بضع ورقات.
1- الالتفات في قوله تعالى حكاية عن مؤمن أصحاب القرية: {وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} التفات من التكلم إلى الخطاب، وفيه نوع احتباك لطيف يقوم مقام التنبيه على الحجة.
2- فقال: {وإليه ترجعون} مكان وإليه أرجع؛ ليرجعوا بأنفسهم إلى صدر الكلام فيجدوه منادياً لهم أبين النداء: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟!!
3- وفيه فائدة أخرى وهي أن قوله: {وما لي لا أعبد الذي فطرني} يبيّن أنه أقام نفسه مقام المبادر إلى ما يأمرهم به؛ ليكون أوقع في النفس بخلاف من يأمر غيره ينتظر أن يتقدموه ليتبعهم.