الحرب الثقافية المصرية
في منتصف السيتنات، اذاع التليفزيون المصري واحد من اهم اللقاءات في تاريخ الثقافة العربية الحديثة حيث مثل لحظة نهاية الانقلاب الثقافي الذي كانت تشهده الثقافة العربية ضد الوعي النهضوي الليبرالي التنويري ونهاية الحرب الثقافية المصرية بانتصار الفكر اليساري /1
اللاعقلاني والهيمنة اليسارية التامة ضد مبادئ التنوير والعقلانية الأوروبية التي تركتها الحقبة الإستعمارية. عقدت اللقاء المذيعة ليلى رستم بين طه حسين، والذي جسد جيل أدباء النهضة لما قبل الثورة والذين حملوا لواء العقلانية الأوروبية، ومجموعة الادباء الجدد الذين حملوا شحنة يسارية /2
ونضالية عالم ثالثية كبرى في فترة الكفاح الماركسي والشيوعي ضد الامبريالية: يوسف السباعي - ثروت أباظة - أمين يوسف غراب - عبد الرحمن الشرقاوي - محمود أمين العالم - أنيس منصور - كامل زهيري - عبد الرحمن صدقي - عبد الرحمن بدوي - نجيب محفوظ (محفوظ سيعدل من مواقفه فيما بعد.)
عشان /3
تفهم الموقف، خليني اديك خلفية،
اللقاء لم يكن اول مواجهة بين طه حسين بما مثله من نهضوية تنويرية ليبرالية والوعي اليساري النضالي الناشئ بل ان المواجهة بين الطرفين بدئت في الاحتداد بشكل كبير مع دخول فلسفة سارتر الوجودية للمجال الثقافي العربي وتتويج سارتر فيلسوف العرب الأوحد في/4
فترة ما بعد الاستعمار. كان طه حسين قلقاً ومتوجساً بشكل كبير من الأفكار السارترية وخاصة مبدئ "الالتزام" والذي بموجبه يجب على المثقف الالتزام بالكتابة من اجل المهمات الكفاحية والنضالية للجماهير الغفيرة. اعترض طه حسين وبشدة على تسييس الثقافة بهذا الشكل واصر على المبادئ /5
التنويرية والليبرالية باخلاء المجال الثقافي من الحمولات السياسية والايدولوجية مما اغضب الجيل الجديد من المثقفين الشبان اللي تشكلوا في فترة الانتفاخ الايديولوجي العربي والعالمي، بينما اصر الاتجاه الماركسي المهيمن على "الواقعية الاشتراكية" والتي تجند الاديب وادبه لخدمه النضال/6
الايديولوجي. كمان كان الاتجاه اليساري يستهدف طه حسين بالذات حيث كان يمثل لهم التراث الثقافي الليبرالي الذي نشأ تحت الاستعمار الانجليزي والذين ارادوا الانتصار التام عليه.
اللقاء الكبير الاول كان في بيروت ابريل ١٩٥٥ عندما دعى سهيل ادريس، تلميذ سارتر وخريج السوربون واحد اكبر /7
اقطاب التقاطع الوجودي الماركسي في الثقافة العربية، طه حسين لمناظرة كبرى تستضيفها مجلة الأدب البيروتية، والتي كانت اكبر منشور ادبي وجودي يساري حتى الحرب الاهلية اللبنانية في ١٩٧٥. وافق طه حسين وسافر الى بيروت وتم تسويق اللقاء على انه محاضرتين واحدة بعنوان (الاديب يكتب للنخبة) /8
يعطيها طه حسين، ومحاضرة ضدية بعنوان (الاديب يكتب للجماهير) يعطيها رئيف خوري واحد من اكبر المطبلاتية للاتحاد السوفيتي. قام خوري بمهاجمة "نخبوية" طه حسين ودعى الى التطبيق الكامل للواقعية الاشتراكية واستخدم مقولة ستالين الميكانيكية ان "الادباء هم مهندسي الروح."
في رده، اعترض/9
اول ما اعترض طه حسين في محاضرته على عنوان المحاضرة نفسها والذي اختاره سهيل ادريس (الاديب يكتب للنخبة) واعتبره طه حسين نوع من الغش والخداع حيث انه لم يدعي قط انه يكتب ادب للنخبة ولكنه يكتب ادب لأي شخص يقرأ الأدب وهكذا فأن اللقاء كله مجرد حدث سياسي يريد الشحن الايديولوجي. حاول /10
طه الحسين الهجوم على فكرة "الالتزام" السارترية وقال انها تحول الأدب الى بروباجاندا وهاجم الادب الوجودي واليساري نفسه على انه ادب فاحش النخبوية مكتوب بلغة فصحى تقنية معقدة غير متاحة للقارئ العادي.
بعد اللقاء، عاد طه حسين للقاهرة وهو اكثر وعياً بالتدهور الفكري الحاد الذي اصبح /11
يأتي من اوروبا في شكل تقليعات فلسفية مدمرة مثل الوجودية وغيرها واعتبر ذلك دليل على الحالية السيئة التي تعاني منها "الروح الاوروبية" بسبب الحربين العالميتين. ولكن مع ذلك استمر الفكر اليساري في الهيمنة، خاصة بعد ان تبنته الدولة الناصرية وقامت بدعمه مادياً ثقافياً في التحول /12
العروبي الاشتراكي ومحاولة عبد الناصر لاعتلاء مركز القيادة للمعسكر العالم الثالثي المناوئ للغرب وتقريباً كل المؤسسات الثقافية التي بناها النظام الناصري حينئذ تم بنائها عشان تخدم على الهيمنة اليسارية. وكان هناك ايضاً مجهود ناصري كبير لتتزعم مصر التيار اليساري الغير سوفيتي /13
عالمياً فمثلاً مصر كانت ثاني اكبر دولة في العالم في بث محطات راديو بعد الولايات المتحدة بمعدل بث ٧٦٦ ساعة اسبوعياً وكانت لديها اكبر بنية تحتية اذاعية في العالم تبث دعاية يسارية مناؤة للولايات المتحدة لافريقا واسيا والشرق الاوسط وامريكا اللاتينية.
نرجع، للقاء التلفزيوني والذي/14
فعلاً شكلاً الهزيمة الاخيرة للوعي النهضوي الليبرالي حيث قام التلفيزون المصري عن عمد بتنظيم حفلة هجومية (جانج بانج علني مكتمل الاركان) يستضيف بها عشرة من مثقفي اليسار الدولجيين ليقومون بالاجهاز على طه حسين، مما يمثله للفكر اليساري والناصري من النخبوية الليبرالية للعصر /15
الملكي والاستعماري، ليكون الانتصار التام والنهائي للناصرية على العهد البائد، ولليسارية (الوجودية والشيوعية) على الوعي الليبرالي المتبقي من الحقبة الاستعمارية الانجليزية.
كان اللقاء مشحوناً جداً ولم يكن مناظرة عادلة(عشرة على واحد). بدئت ليلى رستم بيوسف السباعي والذي سئل طه حسين/16
بشكل مباشر عن الاختلاف المركزي وهو دور الاديب ولمن يكتب (الاسئلة السارترية الاساسية تلاتة: ما هو الادب؟ ولمن نكتب؟ وما دور الاديب؟) لم يتراجع طه حسين ورفض مبدء "الالتزام" واعرب عن قلقه عن حرية الضمير وعبر عن استياءه من مثقفي الدولة وعن تدخل السلطة السياسية في المشهد الثقافي./17
بعد ذلك سئل حسين بشكل هجومي عن ديكارت والشك الديكارتي لتتم مهاجمة مبادئ التنوير الأوروبية بشكل صريح ومعلن ومع ذلك لم يتراجع طه حسين واصر انه مازال مؤيد لمبادئ العقلانية الديكارتية.
تكملة للهجوم على مبادئ العقلانية، قام نجيب محفوظ (وكان مازال في طور التخلف اليساري حين إذ) /18
بسؤال طه حسين عن تفضيله للقصة الفلسفية (والتي تعتمد على اسئلة فلسفية عقلانية) فوق القصة الواقعية (وهو النوع السوفيتي الغارق في الذاتية والمفضل لايديولوجيات النضال) وكان سؤال محفوظ هجومياً ومع ذلك لم يتراجع حسين ودافع عن القصة الفلسفية.
في النهاية قام طه حسين (والله اسد) بتوجيه/19
ضربتين صادقتين موجعتين، فقال بصراحة انه لم يقرأ رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، وهي الرواية الكفاحية النضالية اليسارية المفضلة للنظام الناصري والتي حولها يوسف شاهين فيما بعد لفيلم نضالي وان الجيل الجديد "يكتب اكثر مما يقرأ" وهي اهانة كبرى تتهمهم بالجهل بشكل غير مباشر. /20
وزادهم من البيت شعراً وتسائل "من منهم يقرأ تقالدينا الادبية القديمة؟ من منهم يجيد لغات اجنبية؟ ما يكتبون يدل على انه ليس لديهم عمق ثقافي."
انتهى اللقاء وانتهى معه الحقبة النهضوية الليبرالية. انقلب المثقفون العرب على النهضة وعلى مبادئ التنوير واصبح الفكر اليساري هو الفكر/21
المهيمن مدعوماً بشكل كامل من الانظمة الناصرية والبعثية وخارجياً من الاتحاد السوفيتي مباشرة. بعد نكسة ١٩٦٧ وبعد ان اتضح المسار المخرب لهؤلاء المثقفين سيتراجع النظام المصري بعنف من المعسكر اليساري، وهي نقلة بدئها عبد الناصر ذاته ولكن اكملها السادات وحاول ايضاً قطع شبكة الدعم/22
السوفيتية. وانتقلت العاصمة الثقافية والادبية من القاهرة الى بيروت حيت تواجدت البنية التحتية الماركسية اعمق بكثير من مصر وسيتسبب المعسكر اليساري في بيروت في انهيار الدولة اللبنانية وحروب اهلية بين جماعات ارهابية ماركسية ويسارية قامت بأبشع المذابح.
اما في مصر، فسيكمل الانقلاب /23
على الوعي النهضوي تيار فكري غير متوقع، قادم من هامش المنظومة الفكرية السائدة ولم يكن له لا تمويل ولا رعاية مؤسسات الدولة الكبرى، الإخوان المسلمين. سيد قطب، والذي كان هو ايضاً تلميذاً لطه حسين قبل ان ينقلب عليه وعلى التنويرية والليبرالية، كان من المفترض ان يصبح جزءاً من /24
المعسكر الوجودي العربي وتمت دعوته ليكون جزء من مجلة "الأدب" ولكنه اخذ طريقاً آخر غامض وغير منتشر وهو طريق الفكر الإسلامي وبعد انهيار المؤسسة الثقافية الماركسية والتصدع العنيف التي سببته للدولة الناصرية، سيصعد التفكير القطبي من الانقاض والحطام الفكري والسياسي والروحي. (في رأيي /25
الشخصي الفكر القطبي ما هو الى خليط بين الهيغيلة الرومانسية واليسارية اللينية برموز إسلامية) ده التراث اللي محتاجين تبحثوا فيه بجد يا شوية كاوركات يا اللي ماسكين في تراث من ١٤٠٠ سنة وسايبين الحاجات الكبيرة بجد. اللهم انهي بلغت اللهم فأشهد
من المحزن ان من من نفذوا هذا الانقلاب ضد الليبرالية هم تلاميذ طه حسين نفسهم. طه حسين هو من ناقش رسالة دكتوراة عبد الرحمن بدوي، عضو فريق الهجوم، حول فلسفة الأصالة الهايدجرية واعلن للعالم ان عبد الرحمن بدوي هو اول فيلسوف عربي حديث حقيقي. وسيد قطب ايضاً تعلم النقد الادبي من طه حسين.
• • •
Missing some Tweet in this thread? You can try to
force a refresh
This is a really bad bill that shows the terrible way the US is heading. The bill is not about Islamophobia, already a concept with a dubious history of trying to suppress conversations critical of Islam and Islamism, in the US, but /1 cnn.com/2021/12/14/pol…
Islamophobia in foreign countries. The bill requires the State Department to report on " acts of physical violence or harassment of Muslim people" in foreign countries. If this was about the Uighurs in China, it should have been just about China. But now, is every /2
violence in which Muslims are a side would be considered Islamophobia? Look at who is introducing it, this mechanism will be used against and heavily target Israel. Will violence in Egypt or UAE against Islamists be considered Islamophobic? /3 congress.gov/bill/117th-con…
الم يحين الوقت حتى يحترم الفكر الإسلامي عقولنا وانسانيتنا؟ ام اننا سنظل في مستنقع الظلام والتصوف الفكري هذا للأبد؟ هل يمكننا ان نتوقف ان نتعاطف مع ألام واشجان الناقد الادبي الموتور سيد قطب ونتحدث بصدق وامانة عن كتاباته دمرت عقول وازهقت ارواح؟ /1 alaraby.co.uk/opinion/%D8%B3…
ان مؤلف "معركتنا مع اليهود" و"صراعنا مع الرأسمالية" والذي زرع الحقد والعداء للسامية والكراهية والعداء للحداثة في قلوب اجيال يستحق فعلاً مكانة مركزية في التاريخ العربي والإسلامي لما اودى به التصوف الفكري وعبادة الذات المكلومة والرومانطيقية النظرية من دمار وخراب مازالت تصر عليه /2
الوثنية الإسلامية التي تمجد وتعبد "اصالة" ذات غير موجودة الا في هواجسهم وتجرديهم الفكري السيكوباتي. هذا التجريد الفكري الذي ادى لعلاقة صنمية مع "الذات" هي التي دفعت الاستاذ قطب، صاحب الآلام والصرخات والعذابات، لكتابة سطور مثل "فلنحاول ان نغرس بذور الكراهية والحقد والانتقام في /3
In the mid-sixties, Egypt was the largest radio broadcaster in the world second only to the US with a large tech infrastructure, broadcasting anti-American, antisemitic, & anti-Western propaganda to all corners of the globe. At the time, the Egyptian propaganda apparatus /1
was being managed by Nazi fugitives hiding in Egypt like Johann Jakob von Leers, who used to be a chief propagandist in the Third Reich, later called himself Omar Amin after he converted to Islam and worked as an advisor to Nasser. Much of these historical details are lost, /2
but people don't know that the monstrous antisemitic fascist human impulse didn't simply die in Europe in WWII, but actually infected the Middle East and went into hiding in the intellectual spheres of the left, Third Worldism, Islamism, Arabism, etc. Israel was and still /3
I knew that @jvplive was a bunch of selfish privileged Jewish kids, but I didn't know they are so narcissistic, brainless, and lack any moral sense that they would popularize one of the ideologues of Arab fascism and antisemitism.
Ghassan Kanafani was a leading member and the /1
leading literary figure of the PFLP. He started his career in the 60s when he became a disciple of George Habash, a leading terrorist, idealogue, and the founder of the most fascist and totalitarian pan-Arab organization, the ANM. The ANM would break down later to warring /2
Marxist factions (as such movements tend to do) that would pioneer all kinds of modern terror way before Allahu Akbar became a thing. The ANM, conceived by Arab Christians who were heavily influenced by Marxist totalitarian intellectual traditions and thoroughly impressed by /3
Many of the carrying cardmembers of the American liberal elite insist that marching down the streets of Tehran shouting "Death to America.. Death to Israel" is all just performative social gatherings. That Palestinians calling for "slaughtering the Jews" is merely expressive /1
of injustice. I struggle to try to explain that those beliefs and ideas DO matter. But eventually, it did hit me, those liberals and experts say and think so because they themselves don't believe in anything anymore. American liberalism became a preposterous philisitnic /2
phariseeism of a nation of technicians who believe in nothing but means and techniques. They don't believe the Iranians or the Palestinians really believe in what they say they believe because they personally don't believe in what they say they believe. It's all mere /3
A 14-year-old Palestinian girl just stabbed a Jewish woman who was pushing a stroller and walking her children to school. Can critical theory and institutional racism help you understand this? Can apartheid and social justice explain it without entangling us is delusional /1
abstractions? For a Westerner whose mind is well molded in modern liberal habits of mind, there is no way to understand this weird mystifying incident. Reporters will write entire essays about this, academics will write papers without a single mention of "antisemitism," a word /2
that easily cuts through the matter and explains it. The most obvious characteristic of such terrorist attacks is that they are committed by children, and their childhood exposes the true essence of the matter, simple faith in the villainy of Jews as Jews. In antisemitic /3