إن ميثولوجيا العصر الحديث هي الصدفة، فكما اخترع الإغريق أبوللو إله الفنون، وكما اخترع الرومان فولكان إله البراكين، اخترعت المادية إله الصدفة الذي لا يصمد أمام التحقيق الفلسفي.
عندما يأتي الكلام عن العلة الفاعلة للنظام في الكون تجد نفسك أمام ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: تقول به الفلسفة المادية، التي من أعلامها: ديمقريطس وأبيقور قديماً، ماركس وإنجلز حديثاً، وهو الصدفة مع الزمانية الطويلة جداً يجمل لنا القول في هذه النظرية الأحيائي الحاصل على جائزة نوبل جورج والد،
بقوله إن بطل القصة في الحقيقة هو الزمان، على أحدنا أن ينتظر فقط وسيقوم الزمان نفسه بعمل المعجزات، هذه هي النظرية الأولى وإليها تستند المادية.
والنظرية الثانية لا تقر بأي نظام في الخارج، وفي نسختها الأقل تطرفاً فهي تجحد النظام في الكون وتعتبره من صنع الخيال، يقول الرجل الثاني في الحركة السوفسطائية غورغياس إنه لا يوجد شيء، وهذه النظرية لن نقف عندها كثيراً
لأنها متناقضة في نسختها المتطرفة، وقد تجاوزها الزمان في نسختها الأقل تطرفاً، كما تجاوزت هي قوانين العقل، ولكيلا يوجد شيء يجب أن يكون هناك شيء؛ ليبرهن أنه ليس هناك شيء، وهذا تناقض.
تبقى معنا النظرية الثالثة وهي التصميم، وهي الأقرب للمنطق إن لم يكن المنطق عينه، تقول بها كل الأديان الابراهيمية وكل الفلاسفة المنتمين إليها وفلاسفة آخرون.
يعتبر فيلسوف قرطبة ابن رشد أن هذه هي الطريقة التي دعا الله العامة بها للإقرار بوجوده أي عن طريق بديع الصنعة، ويرى كذلك النظام في الكون من الآيات والبراهين التي تدعو للإيمان، وهي حقاً كذلك، ونجد نبي الله داود له كلام يفيد نفس المعنى يقول: :اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ،
إذن هناك نظريتان: التصميم والإبداع في مقابل الصدفة والعشوائية، لا يمكن أن يجمع بينهما فالإقرار بالأولى خروج على الثانية، ونصرة الثانية مروق من الأولى، الكل يعلم ما يستطيع العقل إبداعه، والحضارة الإسلامية والغربية مثال على ذلك، تبقى نظرية الصدفة هذه ماذا تستطيع أن تبدع لنا؟
لم يترك العلماء هذه النظرية بل تم اختبارها مرات عدة، وأحد هذه الاختبارات قام به تشارلز يوجين جاي عالم الطبيعة السويسري، قام بحساب احتمالية الخلق بالصدفة لجزيء بروتين واحد، وهذا الأخير معروف أنه يتكون من أربعة عناصر مختلفة،
ولكنه افترض أن جزيء البروتين يتكون من عنصرين اثنين فقط من مجموع 2000 ذرة التي يتكون منها بعد هذا التبسيط ماذا وجد؟
لقد وجد احتمال خلق البروتين بالصدفة تبلغ (231-10×2.02)، فإذا أخذنا هذه النتيجة في الاعتبار في إطار عمر وحجم كوكبنا الأرض، فإن خلق مثل هذا الجزيء يستغرق 10243 بليون سنة تحت ظروف 51014 اهتزازة في الثانية وتبعاً لذلك لا توجد إمكانية أن الحياة قد نشأت بالصدفة خلال 4.5 بليون سنة
التي يفترض أنها عمر الأرض.
وقد أعاد هذا الحساب مانفريد إيجين من معهد ماكس بلانك لكيمياء الطبيعة الحيوية في جوتنجن بألمانيا، والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1968، فأثبت أن جميع المياه على كوننا ليست كافية لكي ننتج بطريقة الصدفة جزيئاً بروتينياً واحداً حتى
ولو كان الكون كله مليئاً بمواد الكيميائية تتحد بعضها مع بعض بصفة دائمة.
إذا كان عمر الكون لا يكفي لتنظيم بروتين واحد عن طريق الصدفة فمن غير الحكمة أن نفترض أنها قادرة عن تنظيم الكون وهذا دليل علمي يدحض المادية ويبطل الإلحاد ويأتي عليها من أساسها.
وهذا الكلام يعيه جيداً أحد كبار المادية ففي لقائه مع بن ستاين مقدم وثائقي “المطرودون” اعترف بأن الحياة لا يمكن أن تكون قد أُنشئت في الأرض، وإنما قد تكون حضارة أخرى من الفضاء قد بذرتها، يقول ريتشارد دوكنز: من المحتمل أنه في وقت سابق في مكان ما
في الكون تطورت حضارة في (الغالب) بواسطة بعض الطرق الداروينية إلى مستوى عالٍ جداً من التقنية، وصمموا شكلاً من أشكال الحياة وربما بذروها في كوكبنا، سؤال هل هذا علم أم ميثولوجيا؟ سؤال أخر من أكثر رونقاً وتماسكاً والأقرب من المنطق أسطورة الخلق البابلية أم أسطورة الخلق المادية؟
طبعاً البابلية
ريتشارد دوكنز يعترف كما يعترف جميع المؤمنين بأن هناك مصمماً يقول في نفس اللقاء إذا نظرت في تفاصيل الكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الجزيئي فقد تجد توقيع مصمم ما، ايكون ريتشارد دوكنز يؤمن بالخرافة التي يتهم خصومه بأنهم يؤمنون بها؟لكنه رفض التصور ان المصمم يكون إلهًا
لقد توصل البروفيسور ج.ب.ليتز إلى أنه يمكن تجميع هذه السلاسل فيما يقارب 48 تقسيماً و صورة وطريقة فقال إنه من المستحيل تماماً أن تجتمع هذه السلاسل بمحض الصدفة في صورة مخصوصة من هذه الصور التي لا حصر لها حتى يوجد الجزيء البروتيني الذي يحتوي على أربعين ألفاً من أجزاء العناصر الأربعة،
سؤال: هل تعلم بأنه لكي يتكون إنسان عليه أن تجتمع 250 بروتيناً والذي عمر الكون لا يكفي لخلق واحد عن طريق الصدفة، وبعدها يتحصل لدينا أول خلية حية وبعدها نحتاج إعادة المحاولة ونجاحها 37.2 تريليون مرة، وأن ترتب مرة أخرى بطريقة الصدفة، فيتكون لك أول إنسان، إنه المستحيل عينه.
وبعدها تحتاج لخلق الآلاف الأنظمة؛ لكي يحيا هذا الكائن منها مركب الماء والهواء وضبط الجاذبية والقوة النووية الضعيفة والقوية، وتحتاج الشمس والقمر إلى أخر الشروط الضرورية لحياة ونمو الكائن الحي.
يصف أزمة المادية زعيمها السابق والمؤمن بعدها بوجود الذات الإلهية أنتوني فلو بقوله إن مجرد الشروع في التفكير في وضع نظرية طبيعية لتطور أول كائن حي قادر على التكاثر أضحى أمراً في غاية الصعوبة، هذا الكلام فيما يخص كائناً حياً واحداً،
أما الكائن الأكبر وهو الكون هذا موضوع يتطلب ميثولوجيا أكبر من الميثولوجيا التي خلقها ريتشارد دوكنز.
كثير من الماديين يتكلمون عن الميثولوجيا بازدراء حتى يخيل للسامع أنهم محصنون منها وينسون بأن نشأتها كانت لغرض تفسير الظواهر والسؤال الذي عليهم الإجابة عنه هل هم حقاً محصنون منها؟
وفي الحقيقة الحقة هم لا يختلفون كثيراً عن الحضارات الغابرة، فكما أن لليونانيين والرومانيين ميثولوجيا فكذلك للإنسان الحديث ميثولوجيا خاصة به.
إن ميثولوجيا العصر الحديث هي الصدفة، فكما اخترع الإغريق أبوللو إله الفنون وأثينا إلهة الحكمة وأفروديت إلهة الحب والجمال، وكما
اخترع الرومان فولكان إله البراكين والحرائق، ومارس إله الحرب، وديانا إلهة القمر، اخترعت المادية الإلحادية فكرة إله الصدفة التي تستند اليه دائما
والذي لا يصمد أمام التحقيق الفلسفي، والذي لا يتطلب منا الكثير من العناء حتى نقوم بنحر هذا الإله الزائف والباطل .
الحق والحق أقول لكم: هذه ليست نظرية الصدفة ليست نظرية فلسفية بل هي مغالطة منطقية تسمى مغالطة تصنيف الصدفة لا تفعل؛ لأنها ببساطة لا شيء ليست قوة خلاقة لا تملك كينونة هي مجرد مفهوم مجرد لتوضيح لنفترض أنك دخلت منزلك فوجدت زجاج النافذة مكسراً،
فسألتَ أمك: مَن كسر زجاج النافذة؟ فقالت: الصدفة، أو سألتها: مَن رتب الخزانة؟ فقالت: هي الصدفة، هنا الجواب غير منطقي؛ لأنك سألت من كسر زجاج النافذة؟ وليس كيف كُسر زجاج النافذة؟ أو كيف رتبت الخزانة؟ الجواب الذي يمكن ألا يبدو صاحبه مجنوناً، هو كسرها أخوك صدفة رتبتها أختك صدفة،
ألم أقل لكم: إن الصدفة هي ميثولوجيا العصر الحديث؟
الخديعة تبدو واضحة عند مناقشة صديقنا الحاصل على جائزة نوبل جورج والد، الذي قال إن بطل القصة في الحقيقة هو الزمان، على أحدنا أن ينتصر فقط وسيقوم الزمان نفسه بعمل المعجزات، الزمان يصنع المعجزات،
جيد، ممكن بعض البيانات عنه ما وزنه؟ ما هي أبعاده؟ ما هو قوامه الوجودي؟ أين هو الآن؟ الوقت ليس شيئاً، ليس للوقت قوة، ليس للوقت كيان، الوقت لا يفعل؛ لأنه ببساطة ليس بفاعل ..
من هنا نعلم ان يجب الا نستسلم لفكرة الصدفة لتفسير ما نجهله مثل الملحدين التطورين
فحتى العلم ليس بثابت فهو يتنافض نفسه بنفسه مرات ويتغير مفاهيمه مع مرور الزمن ..
• • •
Missing some Tweet in this thread? You can try to
force a refresh
العقل: مصطلحٌ يُستعمل عادةً لوصف الوظائف العليا للدّماغ البشري، وخاصةً تلك الوظائف التّي يكون فيها الإنسان واعيًا بشكل شخصيٍ مثل: الشّخصية، التّفكير، الجدل، الذّاكرة، الذّكاء، وحتّى الانفعال العاطفي يعده البعض ضمن وظائف العقل.
عندما نتحدث مع المؤمن فهو يدّعي المنطق، وأنّ دينه من عند خالق، هذا الخالق المفترض أنّه خالق العقل، لذلك من المفترض أن يكون دينه قمةً في المنطق وغير متعارضٍ مع العقل، ومن المفترض عندما أدرسه أن أجده قادرًا على إقناعي بالإيمان به
تخيّل معي أُستاذ في مدرسة أعطاك منهجًا مقررًا، فإن قمت بمذاكرته واجتزت اختباره ستنجح وترتقي لمكانة أفضل وإن لم تجتز اختباره سيقوم بمعقابتك، أمر منطقي، أليس كذلك؟ فالغرض من الاختبار الأكاديمي، ربما يكون الحصول على درجة اجتماعية أو لقب معين، ووفق هذه الدرجة أو هذا اللقب تمنح
الوظائف والأعمال.
ولكن هل تصحّ هذه الحالة للمقارنة مع كيفية تعامل الله مع عباده؟ من وجهة نظري فإنها مقارنة فاشلة في أعلى المقاييس ولكن سأقوم بإجراء تعديلات عليها كي تصحّ نوعاً ما.