سؤال: هل نطبّق قواعد المحدثين على أسانيد التفسير؟
الجواب: جواب هذا السؤال لا يصحّ فيه النفي المطلق ولا الإيجاب المطلق لما يقع بسبب ذلك من اللبس والخطأ في الجوابين وإن اشتملا على بعض الصواب
ولو قيل: هل نتبع منهج المحدثين في أسانيد التفسير ؟
لكان الجواب: نعم.
وما ذكره بعض المتأخرين أنّ المحدّثين يتساهلون في أسانيد التفسير فليس على إطلاقه، وينبغي أن تُفهم مناهج أئمة المحدثين في أسانيد التفسير، وأن تعرف أنواع تلك الأسانيد، ومذاهب المحدثين فيها قبل الاستدلال ببعض العبارات الواردة في سياق مخصوص على قضية كلية.
وأسانيد التفسير من حيث الرواية على أنواع: 1. أسانيد يروي بها الحُفّاظ من التابعين وتابعيهم بعض أحاديث التفسير وآثاره حفظاً من غير كتب ثمّ دوّنت بعد ذلك في كتب المصنفين 2. وصُحف وأجزاء تفسيرية مفردة عن صحابي أو تابعي تُدوّن ثمّ تُروى بإسناد واحد للصحيفة كلها.
=
3. وكُتب في التفسير جامعة لصحف وأجزاء ، يُروى الكتاب بإسناد واحد في أصله وهو مشتمل على أسانيد لكل رواية فيها. 4. وكُتب في التفسير جامعة لصحف وأجزاء تُروى بإسناد واحد في أصلها عن جماعة من المفسرين من غير تمييز رواية كلّ واحد منهم عن الآخر.
وهذه الأنواع تختلف أحكامها، وطرق المصنفين من أصحاب التفاسير المسندة تختلف في رواية ما فيها، ولا يصحّ أن يُحكم على إسناد من غير معرفة أصله.
ورواية الكتاب تختلف عن رواية الخبر الواحد، وثناء بعض الأئمة بعض الصحف التفسيرية باعتبار مُجمله لا يقتضي توثيق كلّ ما يروى بإسناد تلك الصحيفة.
وأسانيد التفسير تختلف أحكامها من وجه آخر باختلاف مواقف أئمة المحدثين منها على أقسام: 1. أسانيد متفق على قبولها من حيث الجملة. 2. وأسانيد متفق على ردّها وعدم اعتبارها. 3. وأسانيد مختلف فيها فمن أئمة المحدثين من يقبلها ومنهم من يعتبرها ومنهم من يردّها، ومجال الاجتهاد فيها واسع.
وتختلف أسانيد التفسير من وجه آخر باعتبار متونها؛ فمنها ما يكون مستنده التفسير اللغوي، ومنه ما يكون مستنده تقريب المعنى بالتمثيل والعبارة الموضحة والكشف عن بعض الأوجه التفسيرية القائمة على أصول صحيحة،
فهذا النوع مما يُتساهل فيه لكنّه ليس تساهلا مطلقاً.
ومنها ما يكون في بيان حكم فقهي من الآية، أو مسألة عقدية، أو سلوكية، أو بيان لسبب النزول، وهذه المسائل على مراتب لا يصحّ أن تعطى حكماً واحداً وإنما يُنظر في كلّ مسألة بأقوال أهل العلم فيها وأدلتهم ويرجّح بينها حسب قواعد الجمع والترجيح.
ومما ينبغي التنبّه له التفريق بين حال الراوي في نفسه، وحال كتابه الذي يرويه؛ فقد يكون الرجل ضعيفاً بل شديد الضعف وكتابه معتبر في التفسير ، ومن أئمة المحدثين من ينتقي من كتب الضعفاء فما انتقوه أحسن حالاً مما تركوه.
ومما ينبغي التنبّه له أيضاً أنّ بعض المفسرين الأوائل كالضحاك والسدي وغيرهما يُروى عنهم التفسير على أوجه متنوعة منها كتب ومنها ما يحفظه عنهم بعض أصحابهم ولذلك تختلف أحكام المرويات عنهم في التفسير باعتبار حال كل رواية وأصلها.
والخلاف في أسانيد التفسير قديم فمثلاً تفسير الكلبي للمحدثين فيه قولان: 1. الإعراض عنه مطلقاً، وهو مذهب أحمد ويحيى بن معين ووكيع وغيرهم. 2. انتقاء ما يصلح للاعتبار منه وهو مذهب سفيان الثوري وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر
ومرويات الكلبي في التفاسير المسندة قليلة جداً
وإنما شاعت أقوال الكلبي في التفاسير المتأخرة بسبب بعض المفسرين الذين ليس لهم تمييز في أسانيد التفسير كالماوردي والثعلبي والواحدي.
والطريق التي يروي بها الثعلبي تفسير الكلبي واهية جداً فيها رجل متّهم يقال له صالح النهدي زاد في تفسيره أربعة آلاف حديث !!
وللمحدثين أقوال في صحف التفسير المشتهرة في عصرهم كتفسير السدي والضحاك وعلي بن أبي طلحة وعطاء الخراساني وغيرهم ، وقد اختلفوا في تلك التفاسير ومراتب ما يروى فيها.
وفي كتب العلل مرويات كثيرة في التفسير
فكيف يقال: إن المحدثين يتساهلون في أسانيد التفسير ( هكذا بإطلاق ).
والمقصود أن الحكم على أسانيد التفسير ليس بالأمر السهل، ولا يصح أن يُختزل بأحكام عامة، وطالب علم التفسير يحتاج إلى معرفة القواعد العامة والأصول الضابطة لأحكام المرويات، والاطلاع على جملة من أحكام أسانيد التفسير حتى يصحّ تصوّره لها
وما تقدّم إنما هو إشارات في جواب هذا السؤال الكبير
سأتحدّث إليكم - بعون الله - عن سبب قد يخفى على كثير من الناس وهو داؤهم الدوي الذي منعوا به إجابة كثير من دعواتهم، وحرموا به خيراً عظيماً وفضلاً كبيراً، فعاشوا في نكد يتقلبون فيه بين التسخّط والحرمان، والعياذ بالله.
هذا السبب ذكره الله عزّ وجلّ وبيّن أثره العظيم في مواضع من القرآن الكريم، وبيّن أنه لم يسلم منه إلا قليل، وما يزال بعض الناس لا يميّز بين الدعاء الصادق والأمنيات الباطلة؛ فيتمنَّى على الله الأماني ويتسخّط من عدم تحققها.
ذلكم السبب الخطير هو التفريط في شكر سوابق النعم بل ربما مقابلتها بالتسخّط والتبرّم ونسيان حقّ الله تعالى فيها، أو نسبة العبد ما هو فيه من النعمة لنفسه بذكائه أو مكانته {إنما أوتيته على علم عندي}
وربّما لو فتّش إنسان في نفسه وتفحَّص قلبه وجد فيه شيئا من هذا البلاء وآثاره.
يخطئ كثير من الناس في فهم الحديث الوارد في فضل سورة البقرة ( أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)
ويظنّ أنّ مجرّد قراءتها يحصل به هذا الثواب
وقول النبي ﷺ (أخذها بركة) لفظ الأخذ أعم من مجرّد القراءة؛ فهو يشمل الإيمان بها وتعاهد تلاوتها والتفقه فيها واتّباع ما فيها من الهدى
وذلك أنّ كلَّ ما ينافي الأخذ الشرعي لسورة البقرة لا يتحقق به المطلوب، والنبي ﷺ قد أوتي جوامع الكلم فيدلّ قليل لفظه على كثير من المعاني.
- فمن لم يقبلها لم يأخذها
- ومن هجر تلاوتها لم يأخذها
- ومن أعرض عن التفقه فيها لم يأخذها
- ومن أعرض عما فيها من الهدى فلم يتبعه لم يأخذها
جمعت هنا الأحاديث الواردة في فضل سورة البقرة وصنفتها إلى صنفين:
- صنف للصحيح منها.
- وصنف للضعيف.
من دلائل سعة معاني القرآن تعدد الأوجه الإعرابية للمفردات والجمل القرآنية، ودلالة كلّ وجه على معنى بياني يختلف عن دلالات الأوجه الأخرى؛ فتدلّ الآية بوجوهها الإعرابية الصحيحة على معانٍ واسعة تأتلف ولا تختلف، وتتوافق ولا تتعارض.
من الأمثلة العجيبة احتمال جملة {فلن يخلف الله عهده} في قول الله تعالى: {قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون} لخمسة أوجه إعرابية ؛ يؤدّي كلّ وجه منها معنى لا يؤدّيه غيره، وتكتمل هذه المعاني بإحكام بديع.
الوجه الأول: الجملة معترضة لا محلّ لها من الإعراب، و{أم} متّصلة، وتقدير المعنى على هذا الوجه: أتخذتم عند الله عهداً؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ واعترضت جملة {فلن يخلف الله عهده} بينهما لرفع توهّم خلاف المراد.
وهذا قول ابن عطية.
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فسأضع تحت هذه التغريدة -إن شاء الله- روابط ما يسَّر الله كتابته من #رسائل_التفسير تقريباً لهاً وتعريفاً بها رجاء أن يجعلها الله من العلم النافع والعمل المتقبَّل.
وأدعوا المعتنين بالتفسير للمشاركة في الوسم بما لديهم من رسائل تفسيرية.
وينبغي لطالب علم التفسير إذا اكتسب قدراً حسناً من دراسة التفسير وأصوله أن يعنى بكتابة الرسائل التفسيرية المفردة في مسائل ينتقيها، ويبدئ ويعيد في تهذيبها وتحريرها؛ فإنه ينتفع بذلك انتفاعا عظيماً في تنمية ملكته التفسيرية وتوسيع مداركه.
وقد كان لجماعة من العلماء عناية بكتابة #رسائل_التفسير
وهي من مظانّ التحرير العلمي وجواب ما قد يشكل، واستيفاء شرح مسائل الآيات وهداياتها بما قد لا يوجد نظيره في التفاسير الكبيرة.
وكم من عالم لم يؤلّف تفسيراً تاماً للقرآن وله رسائل في التفسير تنبي عن إمامته وتقدّمه في علم التفسير
- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟
فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم وغيره.
وظاهر النصّ أنه يكفّر حتى الكبائر لغير المصرّ عليها؛ والناس يتفاضلون في إحسان الصيام؛ فكلما كان الصيام أحسن
كأن أثره في تكفير الذنوب أعظم.
ومما يعين على حفظ الصيام المكث في المسجد أو المكث في البيت والاشتغال بالدعاء والذكر والتلاوة
قال الحسن البصري: (أوّل من عرّف بالبصرة ابن عباس).
والتعريف أن يخطب بالناس في المسجد؛ فيعظهم ويتلو عليهم القرآن ويفسّره، وقد روي أنه كان يقرأ عليهم سورة البقرة عشية عرفة فيفسرها آية آية
- وقال موسى بن أبي عائشة : «رأيت عمرو بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع الناس إليه» رواه ابن أبي شيبة
وعمرو بن حريث المخزومي رضي الله عنه ولد قبل الهجرة بسنة أو سنتين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من قراء الصحابة زمن عمر بن الخطاب، وبعثه مع من بعثهم إلى الكوفة لتعليم الناس
وإذا أحسن طالب العلم دراسة مسائل الخلاف القويّ، وبعض مسائل الخلاف المتوسّط كان ما بعدها أيسر عليه.
(3) من أشهر من سلك هذه الطريقة في تعليم التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ فله كتاب فيه "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" وذكر ابن رشيّق له أكثر من سبعين رسالة أفردها في بعض مسائل التفسير، بعضها في مجلد وبعضها في بضع ورقات.