My Authors
Read all threads
.
قصة
_____(معلمة ملحدة)_____

[1]
استيقظت نورة على قرع باب غرفتها بشدة وصوت أمها من وراء الباب: "قومي يا الفاجرة! بتطلع الشمس وأنت ما صليتِ الفجر"
ردت نورة: "خلاص صحيت"
لكن أمها أجبرتها على أن تفتح الباب حتى لا تعود للنوم ولم تتركها حتى أدخلتها الحمام ثم مضت لتجهز=
القهوة والفطور لأبي فهد زوجها ووالد نورة.
غلبت نورة غفوة قصيرة في الحمام لكن اختل توازنها فوقعت وأثناء وقوعها حاولت أن تتمسك بشيء فصادفت يدها حامل الأغراض (الشامبو واسفنجة الاستحمام) فاقتلعه ثقلها من مكانه وسقط على الأرض معها وأحدث دوي سقوطه صوتا عاليا جعل والدتها تقبل مسرعة=
وتنادي برعب: "نورة وش فيك؟!"
ردت نورة: "ما فيه شي بس بغيت أطيح وأنا أتوضأ"
فقالت أمها: "رتبي الحمام ورجعيه زي ما كان، أنا مو شغالة عندك أرتب وراك"
قالت نورة: "خلاص يمه لا تشيلين هم باصلح كل شي"
قالت أمها: "الله يبعث الرجل اللي يضفك عنا ويريحنا من همك" ثم انصرفت لشأنها=
ومع هذا السقوط وبعثرة الأشياء في الحمام طار النوم من عينيها فأعادت كل شيء لمكانه وغسلت أطرافها ووجهها وذهبت إلى غرفتها وفرشت السجادة ولبست رداء الصلاة وجلست جلسة التشهد قليلا لأنها تعرف أن أمها ستقتحم الغرفة لتتأكد من أنها صلت ولم تعد للنوم وبالفعل هذا ما كان فلما رأتها أمها=
تصلي قالت: " مسرع ما خلصت؟!" فسجدت نورة ثم قامت كأنها تنتقل للركعة الثانية بكل خشوع وبدأت تحرك شفتيها بأغنية تحفظها وتكمل كلماتها في الركوع والسجود حتى انتهت من الصلاة ثم حاولت أن تستلقي قليلا فإذا بأمها تناديها لتساعدها في تجهيز قهوة والدها فدار بينهما الحديث التالي:=
قالت نورة: "الحين قهوة وفطور لشخص واحد ليه كلنا نشتغل واحدة منا تكفي"
قالت أمها: " نشتغل عشان الأجر يا بنيتي أنا أخدم زوجي وأنت تخدمين ابوك والله يكتب لنا الأجر"
قالت نورة: " طيب ليه أخوي فهد ما يشتغل معنا دام الدعوى أجر؟!"
قالت الأم واضعة يدها على صدرها:=
"هاو-هاو-هاو" (صوت تعجب لا معنى له)
" يا سماء لا تطيحي علينا! تبين أخوك الرجال يشتغل بالمطبخ يا عيباه يا خزياه"
قالت نورة: " وش فيك؟! هذا هم يطبخون ويسوون قهوتهم باستراحاتهم وكشتاتهم في البر ما قالوا عيب ولاش"
قالت أمها: "انطمي بس وشيلي القهوة لأبوك"
حملت نورة قهوة والدها إليه=
وإذا به يعبث بمسبحته وأخوها فهد جالس أمامه قد نام على الكنب ورأسه قد مال إلى الخلف وفغر فمه فأخذ ابوه العصا ونخسه على فخذه فصحا فزعا فأشار أبوه إلى القهوة فقال فهد: "طيب بشويش يبه طيرت عقلي"
قال ابوه: "صب وأنت ساكت بس"=
[2]
حوالي الساعة 9 ص جاءت رسالة إلى جوال نورة تفيد بتعيينها معلمة في قرية نائية فكادت نورة يغشى عليها من الفرح وذهبت تبشر أمها، لكن أمها صدمتها بأن والدها كان رافضا مسألة الوظيفة قبل أن تتزوج، فشرعت نورة تتوسل أمها أن تحاول تغيير قرار أبيها، فرفضت أمها بحجة أن والدها=
رأسه صلب وربما تتعرض هي نفسها لتوبيخ أبيها.
لم تنفع توسلات نورة وخنقتها العبرة، وذهبت إلى غرفتها تغالب دموعها وأغلقت على نفسها، محتارة عاجزة تشكو قلة حيلتها وضعف قوتها، فاتصلت بصديقتها لتفضفض لها عما حدث، فاقترحت عليها أن تعرض على أمها عرضا لن تقاومه وهو أن تعرض عليها أن تتكفل=
باستقدام عاملة منزلية وتتكفل برواتبها لتريحها من جزء كبير من أعمال المنزل.
لم تستطع أم نورة أن تقاوم العرض فعلا وبدأت تناقش مع نورة الطريقة المثلى لعرض الأمر على والدها، واقترحت على نورة أن تعرض المساهمة في مصروف المنزل
وافقت نورة على اقتراح أمها فهي تشتري مستقبلها، وهذا العرض=
قد يجعل والدها يتراخى في مسألة الزواج ولا يصر عليها، وستتمكن بذلك من ممارسة الرياضيات تخصصها وعشقها، لكن الفرحة لم تكتمل، فقد رفض والدها مبدأ الوظيفة من أصله، ولم تنفع كل توسلات نورة وأمها من أجل أن يوافق، وقال: "إذا تزوجت تفاهمي مع زوجك، أنت أمانة الله عندي"، فأخبرته أن خديجة=
زوجة النبي كانت تتاجر قبل أن تتزوج وأن النساء كان لهن سوق وأن العمل غير محرم لكنه تذرع بحجة أن الزمان اختلف.
علت نورة الكآبة وجلست تفكر عبثا عن وسيلة ما تغير رأي والدها، وكأن الظروف أشفقت عليها وعملت لصالحها، فقد تعرض والدها لنكسة مالية خسر بها جزءا كبيرا من ماله في مشروع كان=
يدر عليه ربحا وفيرا، مما جعله يعاني في سداد التزاماته، فاستغلت أمها الفرصة وصاغت نظرية العقوبة فقالت له: "حوبة نورة حرمتها وظيفتها وعاقبك الله"

لم يرد أبو فهد على زوجته وكأنه أقر بالسبب وهنا أكملت الأم: "خلها تشتغل وتساعدنا البنات فيهن بركة على أهلهن" فامتعض أبو فهد لكنه=
لم يقاوم إغراء العرض فقال : "بشرط تعطيني نصف راتبها" فاعترضت الأم على النصف وقالت: "راح تحتاج نقل وأغراض لدوامها وملابس والا تبي تفشلها قدام زميلاتها؟!" وما زالت به حتى وافق على ربع الراتب وفي الحقيقة كانت الأم تفكر بتكاليف العاملة المنزلية فاستطاعت تقاسم نصف الراتب معه بدهاء=
لم تتسع الأرض لفرحة نورة على الرغم من الخسائر لكن الآن تستطيع الاستقلال جزئيا في مالها ووقتها وتمارس بعض الحرية وتلتقي زميلات وطالبات وتكثر الأحداث في حياتها.
[3]
تعينت نورة في مدرسة ابتدائية في قرية نائية واضطرت أن تستأجر نقلا ليوصلها إلى المدرسة ويعود بها لأن والدها يرفض تماما=
أن تقود سيارة فقالت في نفسها: "العوض ولا القطيعة" واضطرت أن تستيقظ قبل الفجر لتدرك عملها في الوقت المناسب وانقلبت الأدوار فصارت توقظ والديها للصلاة انتقاما من كل تلك الأيام التي حرموها فيه لذة النوم ولأنها تخرج مبكرا كانت توقظهم قبل وقت الصلاة حين تخرج ثم تظل تتصل طيلة الطريق=
بالهاتف وتشعر باللذة لمقاطعتها نوم والديها فهي على الأقل تدفع ثمن هذا الإزعاج من راتبها، ولكن قطع استمتاعها توقف السيارة لأداء صلاة الفجر في مسجد في محطة وقود على الطريق.
كان المسجد مهملا لا يعتني به أحد تفوح روائح كريهة في كل مكان فسألت إحدى الزميلات "ألا يوجد مكان أفضل من هذا"=
فأخبرتها أن هذا هو المكان الوحيد الموجود على الطريق وليس بوسعهم الانتظار حتى الوصول إلى المدرسة خوفا من فوات وقت صلاة الفجر فاضطرت نورة للتمثيل بأنها تصلي صلاة كاملة ترنمت خلالها بأغنيتين لكل ركعة فالجميع يرونها وما إن انتهت وركبت السيارة لاحظت أن بعض الزميلات تأخرن في الصلاة=
لأنهن كن يصلين السنن أيضا كتحية المسجد وراتبة الفجر.
وحين وصلت لتباشر عملها وبعد الاستقبال الحافل من مديرة المدرسة وتبادل الابتسامات المتصنعة استدعتها وكيلة المدرسة لتسلمها جدولها ويا لها من صدمة إذ تم تكليفها بمادة التوحيد للصف الأول والثاني والثالث الابتدائي فاعترضت أن هذا=
ليس تخصصها فأخبروها أن المرحلة الابتدائية لا يشترط فيها التخصص وقالت المديرة: "حنا مسلمات ومو محتاجة شي عشان تعلمينهم من ربك من نبيك ما دينك" تجرعت نورة غضبها وقالت: "على الأقل يكون جزء من نصابي رياضيات وكملوه بمادة ثانية مو كله مو تخصصي"=
قالت المديرة: "أنت لسه جديدة وتحت التجربة ولازم تمارسي عدة تخصصات وما عليك عندنا معلمات على وشك ولادة ونشوف وقتها كيف نعدل جدولك"
لم يكن بيد نورة سوى القبول والامتثال وذهبت لتدرس أول حصة التي كانت (معرفة دين الإسلام) وكان عليها أن تقول أن الإسلام هو الدين الحق وأنه دين الله=
وغير ذلك من المعتقدات الساذجة التي لا تؤمن بها والتي ستؤدي إلى فصلها فورا من وظيفتها لو صرحت بها وفي نهاية الحصة سألتها طفلة: "أستاذة! صح الكفار وسخين ما يتحممون؟"
ردت نورة: "لا يا حبيبتي مو صحيح"
قالت الطفلة: "إلا صح حنا نتوضا خمس مرات ونغسل وهم ما يصلون الكفار الوسخين"=
أغلقت نورة الحوار البائس بقولها: "الله يهديهم"
في الحصة الثانية كان لديها (امتحان الأصول الثلاثة) وكان عليها أن تسأل كل طالبة كأنها منكر ونكير الأسئلة الشهيرة (من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟) وكم كان يؤلمها حين تخفق طالبة في إحدى الإجابات أن تضع لها علامة فشل في معرفتها بتلك الأوهام.=
[4]
في طريق العودة من المدرسة قالت إحدى المعلمات: "الزميلات الجدد نبي نوقف بعد شوي نصلي الظهر وترى الجمع والقصر مشروع لنا تخفيف من الله ورحمة" فما كان من إحدى المتدينات إلا أن زأرت: " لا ما يجوز المسافة مو مسافة قصر اتقي الله" وعلا صوت النقاش بين المؤيدات والمعارضات =

يُتبع ...
فما كان من نورة إلا أن وضعت السماعات وشغلت الموسيقى في ابتسامة خبيثة حين وجدت حجة شرعية تلقيها في وجه أمها لصلاة العصر.
وصلت نورة إلى المنزل وجلست قليلا تتناول غدائها وتخبر أمها بتفاصيل يومها الممل ثم خلدت للنوم حتى أيقظتها أمها لصلاة المغرب وإذا بها تجد رسالة من وكيلة المدرسة=
بتكليفها بجماعة التوعية الإسلامية.
ضحكت نورة بألم وقالت في نفسها: "الملحدة صارت مشرفة على جماعة دينية" وذهبت تبحث في الإنترنت عن مواد تساعدها في الأنشطة المقرفة ثم قررت أن تركز على صدم الطالبات بقصص دينية تحتقر المرأة تحت ذريعة إكرامها وحمايتها لتضعها في رصيد الطالبات المعرفي=
لعل وعسى يوما ما أن تدرك إحداهن حجم الكارثة التي تعيشها ثم جعلت هذا منهجا لها يعينها على الاستمرار في وظيفتها بأن تظهر أمام الطالبات كمتدينة متزمتة تحيل كل سخافتها على الله ورسوله.
وفي الغد ما إن بدأت بتطبيق الدور الجديد حتى اعترضت عليها طالبة صغيرة قائلة:=
"يا أستاذة، أنت ليه محددة حواجبك؟! النامصة ملعونة" وبطريقة ما استطاعت نورة التخلص من الحرج بشكر الطالبة وأنها ما كانت تعرف وأعطتها مكافأة وأنها ستلتزم بأوامر الله ورسوله مهما كانت وتركت حواجبها تنمو دون تحديد تحت ضغط المظهر الجديد الذي ستؤدي فيه رسالتها السامية في توعية البنات=
بحقيقة الدين فكانت تدس في أحاديثها ودروسها مع البنات والمعلمات كلمات لها وقع تنبيهي على العقل دون أن يشير إلى تهمة إليها فمثلا تقول:
الرجال أفضل من النساء لذلك منهم الأنبياء والعشرة المبشرون بالجنة
أو لكثرة التكاليف على الرجل كان أجره وجزاؤه في الجنة أعلى وأعظم=
أو على النساء إنقاذ أنفسهن أكثر من الرجال فالمعاصي التي يقعن فيها خاصة كبائر كالنمص والتبرج والوشم والإهمال في الحجاب
وهكذا على هذا المنوال بدور متدينة ساذجة تظهر قبولها بمكانة المرأة المنخفضة في الدين وتمتعض من الكافرات الناجحات كالرئيسات والوزيرات في العالم.=
[5]
في السنة التالية استطاعت نورة أن تنتقل إلى مدرسة ثانوية أقرب إلى مدينتها ولم تعد تضطر إلى الظهور بمظهرها المتدين السابق ولا إلى أداء الصلوات في الطريق وفي مدرستها الجديدة تجنبت بناء علاقات مع المعلمات أو أن تتطرق لمواضيع الدين مع الطالبات لكن الأزمة كانت مع=
مديرة المدرسة المتدينة المتشددة والتي لا تفوت فرصة انتقاد شيء على معلمة أو طالبة يخالف الدين إلا اقامت الدنيا وأقعدتها بحجة أنكن قدوات للطالبات أو لأخواتكن الصغيرات وتضجرت نورة من انتقادها الدائم فدخلت عليها في مكتبها وأغلقت الباب وقالت لها بالحرف الواحد:=
"إذا ما سكتي عني وتركتيني ترى بالعب براس زوجك وأخليه يتزوجني وهذا هو حلال محله الله وسنة نبيه وهذي أنا بنت وصغيرة" ثم خرجت من عندها دون أن تستمع لجوابها.
كان لوقع تهديدها أثر فعال فصارت المديرة تتحاشاها وتتبسم لها ولا تكلفها بأي أعمال زائدة بل تتجنب أي مجموعة تكون=
نورة فيها واستمرت على هذا المنوال إلى نهاية السنة ثم استدعتها يوما ما وطلبت منها أن تتقدم بالنقل من المدرسة ووعدتها بالدرجة الكاملة في الأداء الوظيفي وبكل ما يدعم نقلها عن المدرسة.
لم يكن العرض يخالف رغبة نورة لكنها تعلم أن المديرة تتخلص منها بلطف فشكرتها ثم قالت لها ناصحة:=
"إن اللين واللطف مثمر في العلاقات ويبقى في القلب وجميل حين المبادرة" وبالفعل انتقلت نورة إلى مدينتها وخفت عليها مصاريف النقل وأعباء المسافات وما كادت نورة تستقر في عملها الجديد حتى تكاثر عليها الخاطبون وكان هذا يمثل ضغطا عليها أمام والدها الذي تعافت حالته المادية وصار يزن على=
رأسها بمسألة الزواج بدعم من أمها حتى وصل به الأمر إلى تهديدها بالفصل من الوظيفة فلم يعد الوضع بحاجة لراتبها وسوف يحرمها من الإنترنت ومن الخروج من البيت وسيضيق عليها عيشتها حتى تضطر للقبول راضخة
ولم تنفع كل توسلات نورة ولا محاولاتها التقليل من عقليات خاطبيها وأنها تنتظر=
رجلا مثقفا واعيا تستطيع التفاهم معه لكنه رد قائلا: "الرجال ما يعيبه شي" فطلبت منه أن يمهلها سنة واحدة فقط لعل أن يأتيها من يناسب شروطها وبعدها له الحق في أن يفعل بها ما يشاء وبعد مداولة شرسة وافق على منحها تلك السنة النهائية بعد أن أقنعت عمتها بآيفون جديد لتغير رأيه.=
لم تكن نورة تملك خطة ما ولكن كان ذلك مجرد تأجيل لوقوع المصيبة لتنظر كيف تسير الأمور فقد تعودت منذ صغرها على أن تتكيف وتتلاءم مع شروط الحياة في بيئتها فهي تلبس الحجاب وتصلي وتصوم وتذهب إلى مكة فهي مضطرة مثل كل امرأة في هذه البيئة أن تفعل ما لا تريد لتنال ما تريد أو بعضه.=
قررت أن تستبق الأحداث وتحاول البحث عن زواج صوري تنال فيه حريتها لكنها قوبلت بطلبات مادية مجحفة من قبل الرجال الذين خاطبتهم، وحاولت أن تجد على الأقل زوجا مناسبا ولكن هيهات فكل أبناء هذه البيئة متشابهون ذكوريون حتى النخاع وفي يوم ما أقبل إليها أخوها فهد وفي عينيه شرر وفي يده سكين=
وأمسك بحلقها واضعا السكين على حنجرتها وذكر أن صديقه قص عليه قصة فتاة تريد الارتباط صوريا وأنه ذكر كل الأوصاف التي تنطبق عليها كوظيفتها وعمرها ومدينتها وافراد عائلتها إلخ وهي تقسم له بالله أنها ليست هي وأنها ترفض مبدأ الزواج الصوري وقالت:=
"خذ جوالي فتشه وخله معك يوم كامل وراقب حساباتي ومراسلاتي وإذا لقيت أي شيء يثير الشبهة سو اللي تبي".
كان هذا العرض منها شيئا يخفف اندفاعه القاتل فأخذ الهاتف ومضى.
إن هذه البيئة جعلت نورة خبيرة بما تحتاجه للنجاة فجوالها ليس فيه شيء سوى مراسلات العمل والعائلة وكثير من=
الصور والمواد الدينية عن الفضيلة والعفاف والافتخار بالأب والأخ والأم والعائلة وكل ما يلزم ليعطي الصورة الساذجة للمرأة الأمر الذي جعل أخاها يعود نادما ويقبل رأسها قائلا: "أنت أختي ونصف أمي وأغار عليك من معزتك" فابتسمت نورة مبدية السذاجة وقالت: "الله يخليك ذخر" لتنهي الأمر وينصرف=
[6]
لقد عاشت نورة في تلك البيئة متحملة الظلم الواقع على المرأة بشكل عام وعدم مناسبتها للملحدة بشكل خاص وحاولت قدر استطاعتها أن تكون مرنة لتظهر بمظهر مقبول في هذه البيئة فتخلت عن حريتها وحقوقها الطبيعية محاولة الاستمتاع بالقدر الضئيل من شبه الحياة الذي يتيحه المجتمع للنساء لكن=
عندما وصل الأمر إلى تهديد حياتها أدركت أن عليها واجب الحفاظ على نفسها ضد هذا المجتمع كله وقررت أن تهرب بحياتها إلى دولة أخرى فبدأت التخطيط بجمع المال اللازم وتقليص المصروفات وترتيب حياتها في الوقت المتبقي لتكون على أهبة الاستعداد عندما يحين الوقت وانتظرت حتى العطلة الصيفية فإذ=
بأخيها يخبرهم على الغداء أنه قرر السفر إلى أوروبا في رحلة سياحية فقال والده: "الله يحفظك"
انتهزت نورة الفرصة وقالت: "خذني معاك" فأشار أخوها إلى أنه سيصطحب صديقين معه وأنها ليست رحلة عوائل فالتفتت إلى أبيها وطلبت منه أن يسافروا هي وأمها معه إلى رحلة سياحية فقال: "نبي نروح لمكة"=
فقالت نورة: "نروح مكة يوم يومين وبعدين نسافر الإمارات وش رايك؟" حاول أبوها أن يتعذر بالتكلفة والمصاريف فاندفعت نورة قائلة: "رحلة الإمارات على حسابي من إلى. وش قلت؟" فتدخلت الأم قائلة: "والله ما تردها ما عمرك وديتني ولا جبتني لا تحرمني على آخر عمري. قل تم الله يرضى عليك!"=
لم يجد الأب مناصا من الموافقة تحت ضغط الأم وارتفاع التكلفة عن جيبه فقال: "تم، نأخذ عمرتنا ونطلع من جدة"
كاد قلب نورة يتوقف فبدأت مباشرة بترتيب خطة الهروب وفكرت في جميع الاحتمالات الممكنة ووضعت لكل احتمال خطة ووضعت خطة أ وخطة ب وخطة ج حتى خطة ي فإن فشل الهروب يعني نهاية الحياة.=
جهزت نورة حقيبة السفر مما خف حمله وغلا ثمنه أو اشتدت الحاجة إليه وتجهزت لليوم الموعود واستخرجت جوازات سفر لها ولأمها وجهزت أوراقها كاملة إلا أن خطتها برمتها كادت فشلت بسبب وفاة أبيها فجأة بسكتة قلبية فألغى أخوها رحلته وقرر البقاء بما أنه أصبح مسؤول الأسرة الجديد وبدأ=
بفرض قوانينه الخاصة على البيت وقلص من حرية نورة أكثر فأكثر فلم تعد تخرج إلا إلى عملها فقط وأصيبت بالاكتئاب الشديد ففكرت بالانتحار كثيرا فلم يعد لديها قوة وأمها كبيرة السن وأخوها إنسان وضيع لن يتردد في قتلها لو علم بما كانت تخطط له أو حدث أمر ما لا تعلم عنه شيئا.=

يُتبع ...
اتصلت بإحدى العيادات النفسية التي تقدم خدمة الجلسات الهاتفية وتم تشخيصها بالاكتئاب الشديد وأوصيت بأحد أدوية الاكتئاب الذي كان من أعراضه النوم الطويل وكان النوم أفضل شيء للمكتئبين
[7]
استيقظت نورة مذعورة على قرع باب غرفتها بشدة وصراخ أخيها وراء الباب قائلا:=
"أمي مو شغالة عندك، بس نايمة طول اليوم، قومي على الأقل ساعديها" ومن وراء صراخه صوت الأم قائلة: "يا وليدي خلها البنت تعبانة" وهو لا يلتفت لكلام أمه ويستمر في قرع الباب حتى سئمت نورة وفتحت الباب فأمطرها أخوها بوابل من الكلمات كأنها الحجارة ثم أردف قائلا:=
"أنت من يقبل بك زوجة بتنشبين بحلوقنا طول العمر".
كانت الجملة الأخيرة كالطعنة في قلبها فهي لا تكلفهم شيئا وليس لها متطلبات وكل حاجاتها تصل عن طريق التوصيل أو بالوصية لزميلاتها ولكن يبدو أن مجرد وجودها في البيت أصبح عبئا هو أيضا فقررت أن لا يوجد أمامها سوى خيارين=
إما الهروب وإما الانتحار أما البقاء فهو موت بطيء قد يكلل بالإرغام على الزواج لتستمر المعاناة مع تغير الأشخاص فقط.

لكنها استعادت رغبتها بالحياة والعيش لآخر يوم ممكن كما تشاء هي فأعادت تعديل خطتها لتنطلق من مدينتها مباشرة نحو أي دولة تقبل دخولها دون تأشيرة حتى تصل إلى=
وجهتها النهائية وفي ليلة جمعة سحقت بعض حبات دوائها ووضعتها في العشاء الذي أجبرها أخوها على إعداده تلك الليلة وتذرعت بالغضب مما فعل ولم تتناول العشاء معهم وأغلقت على نفسها غرفتها وبعد ساعة توقفت الحركة في البيت فخرجت لتنظر ماذا يجري فإذا بأخيها وأمها يغطان في نوم عميق في=
غرفة الجلوس فأحضرت أغطية وغطتهما حتى لا يستفيقا من النوم وصنعت بعض الطعام ووضعت فيه من مسحوق دوائها وغلفته ووضعته في الثلاجة وكتبت ملاحظة ووضعتها في غرفة الجلوس: "أنا ما علي صلاة لا أحد يصحيني والفطور بالثلاجة" ثم انطلقت إلى المطار مباشرة واستقلت أقرب رحلة وجدتها متاحة ومن دولة=
إلى أخرى حتى وصلت وجهتها النهائية خلال 14 ساعة فاستأجرت في فندق واستسلمت لنوم عميق.
أما أهلها فقد استيقظوا بعد 10 ساعات وتناولوا الفطور وعادوا للنوم مرة أخرى 10 ساعات إضافية دون أن يشعروا بغياب نورة وبعد الاستيقاظ للمرة الثانية شعروا بالغرابة من هذا النوم الثقيل فقامت الأم لتوقظ=
ابنتها لكنها لم تجد مجيبا فدفعها الخوف لإخبار ولدها وبعد قرع طويل للباب اضطر فهد لكسره فلم يجدوا نورة ثم انطلق يبحث عنها في أرجاء البيت ويتصل بهاتفها الذي وجده في الغرفة وبعد يأس شديد اتصل بالشرطة التي تحققت من الأمر وأبلغته بأن نورة قد غادرت البلد أمس متجهة إلى دولة ما وعبثا=
حاول التوصل إلى أي معلومة عنها لكن باءت كل محاولاته بالفشل.
قالت الأم له: "كله منك طفشت البنت حسبي الله عليك، كانت وش حليلها وما قصرت" فازداد غضب فهد وخرج من البيت وأغلق الباب بقوة يائسا يشعر بأن رجولته قد انتقصت ولا يستطيع البوح بالأمر لأحد فما كان منه إلا أن يتجاهل=
ما حدث ويفسر الأمر لمن سأل أنها سافرت لدراسة الماجستير على عجل ولم نتمكن من إبلاغ أحد بالأمر، إلا أن الناس ارتابت ولكن ليس أمامها سوى القبول بالرواية المهترئة التي صنعها.
[8]
استيقظت نورة بعد نوم طويل مستمتعة بحريتها كأنها طفل وتزينت بأجمل هيئة وخرجت لتباشر إجراءات طلب اللجوء=
وكان أول ما فعلته أن سجلت مقطع فيديو وهي ترمي بالعباءة في صندوق القمامة،

شعرت أنها لا تلقي بقطعة قماش فقط وإنما تلقي رمز العبودية والذل والدونية التي شعرت بها طوال حياتها

ثم انطلقت وهي تصور كل شيء تراه متفاجئة كيف يعيش الناس هنا وفي الواقع أنها كانت تصور الحياة الطبيعية التي=
يعيشها الناس هناك، وأحست بمعنى الحرية والكرامة وهي ترى الناس يعاملونها بما يحفظ حريتها وكرامتها وحقوقها الطبيعية، وشعرت بأنها تود أن تعانق الجميع وأن الحياة بدأت تدب في عروقها، لكن قاطعها شعور مرير عندما تذكرت صديقاتها وقريباتها والنساء في بلدها، هناك يوجد الكثير من النساء=
اللاتي يعانين مثل معاناتها السابقة فشعرت أن عليها التزاما أخلاقيا أن توظف جزءا من وقتها من أجل الدفاع عن حقوق المرأة في بلدها فأنشأت حسابات على وسائل التواصل وتبنت قضية المرأة في بلدها تحت اسم مستعار

(فيلسوفة نسوية)

وشرعت في نقد بيئتها وتبيان الحياة المدمرة التي تواجهها المرأة=
مستلهمة تجربتها وتجارب كثيرات من قريباتها ومعارفها واشتهر حسابها.

ذات يوم كتب لها حساب باسم تعرفه جيدا
إنها مديرتها السابقة المتدينة المتشددة التي هددتها بالزواج من زوجها، وإذا بها ترى نفس اللهجة ونفس الخطاب لم يتغير إذ تقول: =
"يا أعداء الله، تريدون نشر الفساد، ولا يعجبكم هذا الدين الذي جاء من السماء لينظم حياة الإنسان بما يكفل له حقه، في هذا الدين حتى الحيوان يضمن حقه.
أنتم أنجاس وأولياء للشيطان لا تنقدون إلا الإسلام ولا يغيظكم إلا الحق وتريدون شيوع الباطل
تبا لك توبي إني لك من الناصحات"=
"هذه المنافقة هددتها امرأة يوما ما إن لم تكف مواعظها عنها أن تغري زوجها بالزواج منها فابتلعت حجرا ولم يعد يهمها هذا الدين الذي تنافح عنه بل كان همها الأول زوجها فقط"

في هذه الأثناء بعث لها رقم مجهول على هاتفها صورا لها وهي على الشاطئ تستمتع=
بيوم جميل ولبست المايوه واستلقت على الكرسي تاركة لعينيها التلذذ بمنظر المياه ونسمات العليل اللطيفة تداعب وجهها وشعرها وكأنها السعادة تحاول أن تسكن في عينيها والناس حولها يشاركونها متعة ذلك اليوم الجميل=
ثم كتب لها "أنت نورة أخت فهد وإذا ما عقلت وتحجبت وخليت عنك الفساد اللي أنت فيه بارسل صورك وعنوانك لأخوك وعاد أنت تعرفين وش مصير البنت اللي زيك عندنا"

فأرسلت له نورة صورتين لها وهي تشرب البيرة الكحولية وقالت له:=

يُتبع ...
"أعلى ما بخيلك اركبه وإذا أنت رجال ولد رجال علمني من أنت بس أعرفك جبان يا الصرصور ما تعيش إلا في الظلام".

وعلى الفور اتصلت نورة بالشرطة وابلغتهم بواقعة الابتزاز والتهديد

ولم يمض أكثر من يوم واحد حتى وجدوا الفاعل فإذا هو طالب مبتعث اسمه فارس من نفس بلد نورة وله نشاط على=
الإنترنت باسم (فارس الفضيلة) وهو حساب ذكوري بذيء والمفارقة الساخرة أن القبض عليه كان في البار وهو مخمور يحاول التعرف على إحدى الفتيات.

وفي هذه الأثناء علمت نورة بوفاة أمها، وبذلك زال السبب الوحيد الذي كان يمنعها من كشف شخصيتها، فلم تكن تريد زيادة معاناة أمها في ذلك=
المجتمع البائس، أما الآن فهي فرصتها لترد لأخيها فهد كل ذلك الاضطهاد والتهديد فاستعملت تقاليد أهلها البالية لتسود وجهه أمام مجتمعه

فكشفت عن شخصيتها وأصبح اسمها (نورة الفيلسوفة النسوية) ووضعت صورتها على ذلك الشاطئ التي هددها بها فارس ومنشنت حساب فهد وكتبت:=
" أنا نورة بنت ... وهذا فهد أخوي ....@

وأنا فخركم كلكم

إن حياة لا تتسع لحرية المرأة
لا تستحق العيش
فاصنعن حياتكن يا نساء"

انتهت

آمل أن تنال إعجابكم
تنسيق @threadreaderapp
Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh.

Keep Current with (KAVI) كاڤي

Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

Twitter may remove this content at anytime, convert it as a PDF, save and print for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video

1) Follow Thread Reader App on Twitter so you can easily mention us!

2) Go to a Twitter thread (series of Tweets by the same owner) and mention us with a keyword "unroll" @threadreaderapp unroll

You can practice here first or read more on our help page!

Follow Us on Twitter!

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3.00/month or $30.00/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!