قصة
_____(معلمة ملحدة)_____
[1]
استيقظت نورة على قرع باب غرفتها بشدة وصوت أمها من وراء الباب: "قومي يا الفاجرة! بتطلع الشمس وأنت ما صليتِ الفجر"
ردت نورة: "خلاص صحيت"
لكن أمها أجبرتها على أن تفتح الباب حتى لا تعود للنوم ولم تتركها حتى أدخلتها الحمام ثم مضت لتجهز=
غلبت نورة غفوة قصيرة في الحمام لكن اختل توازنها فوقعت وأثناء وقوعها حاولت أن تتمسك بشيء فصادفت يدها حامل الأغراض (الشامبو واسفنجة الاستحمام) فاقتلعه ثقلها من مكانه وسقط على الأرض معها وأحدث دوي سقوطه صوتا عاليا جعل والدتها تقبل مسرعة=
ردت نورة: "ما فيه شي بس بغيت أطيح وأنا أتوضأ"
فقالت أمها: "رتبي الحمام ورجعيه زي ما كان، أنا مو شغالة عندك أرتب وراك"
قالت نورة: "خلاص يمه لا تشيلين هم باصلح كل شي"
قالت أمها: "الله يبعث الرجل اللي يضفك عنا ويريحنا من همك" ثم انصرفت لشأنها=
قالت أمها: " نشتغل عشان الأجر يا بنيتي أنا أخدم زوجي وأنت تخدمين ابوك والله يكتب لنا الأجر"
قالت نورة: " طيب ليه أخوي فهد ما يشتغل معنا دام الدعوى أجر؟!"
قالت الأم واضعة يدها على صدرها:=
" يا سماء لا تطيحي علينا! تبين أخوك الرجال يشتغل بالمطبخ يا عيباه يا خزياه"
قالت نورة: " وش فيك؟! هذا هم يطبخون ويسوون قهوتهم باستراحاتهم وكشتاتهم في البر ما قالوا عيب ولاش"
قالت أمها: "انطمي بس وشيلي القهوة لأبوك"
حملت نورة قهوة والدها إليه=
قال ابوه: "صب وأنت ساكت بس"=
حوالي الساعة 9 ص جاءت رسالة إلى جوال نورة تفيد بتعيينها معلمة في قرية نائية فكادت نورة يغشى عليها من الفرح وذهبت تبشر أمها، لكن أمها صدمتها بأن والدها كان رافضا مسألة الوظيفة قبل أن تتزوج، فشرعت نورة تتوسل أمها أن تحاول تغيير قرار أبيها، فرفضت أمها بحجة أن والدها=
لم تنفع توسلات نورة وخنقتها العبرة، وذهبت إلى غرفتها تغالب دموعها وأغلقت على نفسها، محتارة عاجزة تشكو قلة حيلتها وضعف قوتها، فاتصلت بصديقتها لتفضفض لها عما حدث، فاقترحت عليها أن تعرض على أمها عرضا لن تقاومه وهو أن تعرض عليها أن تتكفل=
لم تستطع أم نورة أن تقاوم العرض فعلا وبدأت تناقش مع نورة الطريقة المثلى لعرض الأمر على والدها، واقترحت على نورة أن تعرض المساهمة في مصروف المنزل
وافقت نورة على اقتراح أمها فهي تشتري مستقبلها، وهذا العرض=
علت نورة الكآبة وجلست تفكر عبثا عن وسيلة ما تغير رأي والدها، وكأن الظروف أشفقت عليها وعملت لصالحها، فقد تعرض والدها لنكسة مالية خسر بها جزءا كبيرا من ماله في مشروع كان=
لم يرد أبو فهد على زوجته وكأنه أقر بالسبب وهنا أكملت الأم: "خلها تشتغل وتساعدنا البنات فيهن بركة على أهلهن" فامتعض أبو فهد لكنه=
[3]
تعينت نورة في مدرسة ابتدائية في قرية نائية واضطرت أن تستأجر نقلا ليوصلها إلى المدرسة ويعود بها لأن والدها يرفض تماما=
كان المسجد مهملا لا يعتني به أحد تفوح روائح كريهة في كل مكان فسألت إحدى الزميلات "ألا يوجد مكان أفضل من هذا"=
وحين وصلت لتباشر عملها وبعد الاستقبال الحافل من مديرة المدرسة وتبادل الابتسامات المتصنعة استدعتها وكيلة المدرسة لتسلمها جدولها ويا لها من صدمة إذ تم تكليفها بمادة التوحيد للصف الأول والثاني والثالث الابتدائي فاعترضت أن هذا=
لم يكن بيد نورة سوى القبول والامتثال وذهبت لتدرس أول حصة التي كانت (معرفة دين الإسلام) وكان عليها أن تقول أن الإسلام هو الدين الحق وأنه دين الله=
ردت نورة: "لا يا حبيبتي مو صحيح"
قالت الطفلة: "إلا صح حنا نتوضا خمس مرات ونغسل وهم ما يصلون الكفار الوسخين"=
في الحصة الثانية كان لديها (امتحان الأصول الثلاثة) وكان عليها أن تسأل كل طالبة كأنها منكر ونكير الأسئلة الشهيرة (من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟) وكم كان يؤلمها حين تخفق طالبة في إحدى الإجابات أن تضع لها علامة فشل في معرفتها بتلك الأوهام.=
في طريق العودة من المدرسة قالت إحدى المعلمات: "الزميلات الجدد نبي نوقف بعد شوي نصلي الظهر وترى الجمع والقصر مشروع لنا تخفيف من الله ورحمة" فما كان من إحدى المتدينات إلا أن زأرت: " لا ما يجوز المسافة مو مسافة قصر اتقي الله" وعلا صوت النقاش بين المؤيدات والمعارضات =
يُتبع ...
وصلت نورة إلى المنزل وجلست قليلا تتناول غدائها وتخبر أمها بتفاصيل يومها الممل ثم خلدت للنوم حتى أيقظتها أمها لصلاة المغرب وإذا بها تجد رسالة من وكيلة المدرسة=
ضحكت نورة بألم وقالت في نفسها: "الملحدة صارت مشرفة على جماعة دينية" وذهبت تبحث في الإنترنت عن مواد تساعدها في الأنشطة المقرفة ثم قررت أن تركز على صدم الطالبات بقصص دينية تحتقر المرأة تحت ذريعة إكرامها وحمايتها لتضعها في رصيد الطالبات المعرفي=
وفي الغد ما إن بدأت بتطبيق الدور الجديد حتى اعترضت عليها طالبة صغيرة قائلة:=
الرجال أفضل من النساء لذلك منهم الأنبياء والعشرة المبشرون بالجنة
أو لكثرة التكاليف على الرجل كان أجره وجزاؤه في الجنة أعلى وأعظم=
وهكذا على هذا المنوال بدور متدينة ساذجة تظهر قبولها بمكانة المرأة المنخفضة في الدين وتمتعض من الكافرات الناجحات كالرئيسات والوزيرات في العالم.=
في السنة التالية استطاعت نورة أن تنتقل إلى مدرسة ثانوية أقرب إلى مدينتها ولم تعد تضطر إلى الظهور بمظهرها المتدين السابق ولا إلى أداء الصلوات في الطريق وفي مدرستها الجديدة تجنبت بناء علاقات مع المعلمات أو أن تتطرق لمواضيع الدين مع الطالبات لكن الأزمة كانت مع=
كان لوقع تهديدها أثر فعال فصارت المديرة تتحاشاها وتتبسم لها ولا تكلفها بأي أعمال زائدة بل تتجنب أي مجموعة تكون=
لم يكن العرض يخالف رغبة نورة لكنها تعلم أن المديرة تتخلص منها بلطف فشكرتها ثم قالت لها ناصحة:=
ولم تنفع كل توسلات نورة ولا محاولاتها التقليل من عقليات خاطبيها وأنها تنتظر=
كان هذا العرض منها شيئا يخفف اندفاعه القاتل فأخذ الهاتف ومضى.
إن هذه البيئة جعلت نورة خبيرة بما تحتاجه للنجاة فجوالها ليس فيه شيء سوى مراسلات العمل والعائلة وكثير من=
لقد عاشت نورة في تلك البيئة متحملة الظلم الواقع على المرأة بشكل عام وعدم مناسبتها للملحدة بشكل خاص وحاولت قدر استطاعتها أن تكون مرنة لتظهر بمظهر مقبول في هذه البيئة فتخلت عن حريتها وحقوقها الطبيعية محاولة الاستمتاع بالقدر الضئيل من شبه الحياة الذي يتيحه المجتمع للنساء لكن=
انتهزت نورة الفرصة وقالت: "خذني معاك" فأشار أخوها إلى أنه سيصطحب صديقين معه وأنها ليست رحلة عوائل فالتفتت إلى أبيها وطلبت منه أن يسافروا هي وأمها معه إلى رحلة سياحية فقال: "نبي نروح لمكة"=
كاد قلب نورة يتوقف فبدأت مباشرة بترتيب خطة الهروب وفكرت في جميع الاحتمالات الممكنة ووضعت لكل احتمال خطة ووضعت خطة أ وخطة ب وخطة ج حتى خطة ي فإن فشل الهروب يعني نهاية الحياة.=
يُتبع ...
[7]
استيقظت نورة مذعورة على قرع باب غرفتها بشدة وصراخ أخيها وراء الباب قائلا:=
كانت الجملة الأخيرة كالطعنة في قلبها فهي لا تكلفهم شيئا وليس لها متطلبات وكل حاجاتها تصل عن طريق التوصيل أو بالوصية لزميلاتها ولكن يبدو أن مجرد وجودها في البيت أصبح عبئا هو أيضا فقررت أن لا يوجد أمامها سوى خيارين=
لكنها استعادت رغبتها بالحياة والعيش لآخر يوم ممكن كما تشاء هي فأعادت تعديل خطتها لتنطلق من مدينتها مباشرة نحو أي دولة تقبل دخولها دون تأشيرة حتى تصل إلى=
أما أهلها فقد استيقظوا بعد 10 ساعات وتناولوا الفطور وعادوا للنوم مرة أخرى 10 ساعات إضافية دون أن يشعروا بغياب نورة وبعد الاستيقاظ للمرة الثانية شعروا بالغرابة من هذا النوم الثقيل فقامت الأم لتوقظ=
قالت الأم له: "كله منك طفشت البنت حسبي الله عليك، كانت وش حليلها وما قصرت" فازداد غضب فهد وخرج من البيت وأغلق الباب بقوة يائسا يشعر بأن رجولته قد انتقصت ولا يستطيع البوح بالأمر لأحد فما كان منه إلا أن يتجاهل=
[8]
استيقظت نورة بعد نوم طويل مستمتعة بحريتها كأنها طفل وتزينت بأجمل هيئة وخرجت لتباشر إجراءات طلب اللجوء=
شعرت أنها لا تلقي بقطعة قماش فقط وإنما تلقي رمز العبودية والذل والدونية التي شعرت بها طوال حياتها
ثم انطلقت وهي تصور كل شيء تراه متفاجئة كيف يعيش الناس هنا وفي الواقع أنها كانت تصور الحياة الطبيعية التي=
(فيلسوفة نسوية)
وشرعت في نقد بيئتها وتبيان الحياة المدمرة التي تواجهها المرأة=
ذات يوم كتب لها حساب باسم تعرفه جيدا
إنها مديرتها السابقة المتدينة المتشددة التي هددتها بالزواج من زوجها، وإذا بها ترى نفس اللهجة ونفس الخطاب لم يتغير إذ تقول: =
أنتم أنجاس وأولياء للشيطان لا تنقدون إلا الإسلام ولا يغيظكم إلا الحق وتريدون شيوع الباطل
تبا لك توبي إني لك من الناصحات"=
في هذه الأثناء بعث لها رقم مجهول على هاتفها صورا لها وهي على الشاطئ تستمتع=
فأرسلت له نورة صورتين لها وهي تشرب البيرة الكحولية وقالت له:=
يُتبع ...
وعلى الفور اتصلت نورة بالشرطة وابلغتهم بواقعة الابتزاز والتهديد
ولم يمض أكثر من يوم واحد حتى وجدوا الفاعل فإذا هو طالب مبتعث اسمه فارس من نفس بلد نورة وله نشاط على=
وفي هذه الأثناء علمت نورة بوفاة أمها، وبذلك زال السبب الوحيد الذي كان يمنعها من كشف شخصيتها، فلم تكن تريد زيادة معاناة أمها في ذلك=
فكشفت عن شخصيتها وأصبح اسمها (نورة الفيلسوفة النسوية) ووضعت صورتها على ذلك الشاطئ التي هددها بها فارس ومنشنت حساب فهد وكتبت:=
وأنا فخركم كلكم
إن حياة لا تتسع لحرية المرأة
لا تستحق العيش
فاصنعن حياتكن يا نساء"
انتهت
آمل أن تنال إعجابكم