Profile picture
, 18 tweets, 3 min read Read on Twitter
الثورة ليست نزهة... في ذكري عبدالخالق محجوب

#ثريد
قال ماركس مرّة أن الفرنسيين لايمكنهم أن يأتوا على سيرة الثورة دون أن يتذكروا نابليون. "الثورة" في معجمهم تشير إلى ثورتهم المظفّرة في 1789م،
إنها كلمة اشاريّة تستدعي فوراً سلسلة من الدلائل : لحظة اقتحام الباستيل، صعود اليعاقبة بقيادة الثلاثي روبسيير – دانتون – مارا، لجنة السلامة العامة و"حكم الإرهاب" ، ثم المقاصل، ومعركة فاليمي،
وأخيراً التريميدور وانتصار الثورة المضادة باغتيال روبيسبير، كل هذه السلسلة الدرامية من المعارك والخيانات والبطولات والتقلبات وكأنما أراد القدر أن تنصبّ في ذات شخص واحد ، يدعى نابليون. طيفه يزاور الفرنسيين في النوم والصحيان،
فتحت وقع اسمه الرنّان ختمت باريس ثورتها، والثورات بخواتيمها، أي ببدايتها الجديدة أبداً، فالثورة لا تنتهي.
إن الشعوب تملأ التقويم الزمني بأيامها البطولية ولا تعبأ لأشغال الزمن "التكراري" الميّت، الشعوب تريد ما هو حي،
وفي التأريخ الثوري ما يبث السحر في العالم ويسوّي للبشر الميتين-الأحياء حسابهم مع قتلتهم ومضطهديهم، يستوي في ذلك السودانيون والفرنسيس. والحال أن لفظ "الثورة" لدينا نحن السودانيين يشير دلالياً إلى الثورة الأولى، إلى أكتوبر 1964م،
وتنساب الدالة الإشارية مجدداً : لا يمكن أن نذكر الثورة دون أن نأتي على ذكر عبد الخالق محجوب، سردار قوى الثورة السودانية في الفترة من 1948م حتى 1971م.
وعبد الخالق مبتكر. فمن ممارسته الإبداعية تكرّ باقي الإشارات الدلالية. فقد تشكّلت بفعل ابتكاراته السياسية الشجاعة في خمسينات وستينات القرن العشرين غالبة التكتيكات والاستراتيجيات التي تكررت في هبة مارس-أبريل 1985م واستخدمناها نحن في 2019م مجدداً.
لنأت لقائمة المفاهيم : العمل من أسفل، الديمقراطية كطريق ثوري، وحدة العمّال والمزارعين، الجبهة الوطنيّة الديمقراطية، العمل مع الجماهير، ودرّة كل هذا، هو تكييفه الخلّاق لتكتيك (الإضراب السياسي العام) على الظروف السودانية في ستينات القرن العشرين.
ثورة 2019م لم تخرج بعد من طرائق عبد الخالق في 1964م. وهذا ما يجعل إيلاء النظر العلمي في ممارسته واجباً ثورياً في هذه المرحلة.
هذه دعوة للعودة الخلاقة، والجماعية، لإرث عبد الخالق محجوب، لا تشوبها الرغبة في تدشين أيقونة،
ولا الانحياز لقوى الثورة المضادة التي لا تأتي على ذكره إلى على شكل الإدانة والشتيمة، بل لضرورات موضوعية، وصعوبات وفخاخ تواجه ثورة العالم، وثورتنا، في قرن جديد مازال يحمل مشاكل الماضي كلها، ومتطلبات ثورة راهنة تريد أن تنتصر.
نعود لعبد الخالق ونتوقع أن في نجد في عقل ممارسته ما يعين على فهم ما يحدث اليوم. علينا أن نخمّن ماوراء تحليلاته، وندرس عالمه بكل تناقضاته، ونعود على خطواته مستكشفين، نبغي انتزاع المنهج من ركام الحدث. والعالم القديم بكامله يتوارى تحت وقع ضربات الثورة الراهنة،
فلا أقل من أن نواصل العمل وننتج نظرية لما نعمل عارفين بأخطاء من سبقونا. وباستذكار سنة 64م فإننا لا نريد تحويلها إلى محض خكاية أسطورية عن نابغة فرد أخرج الثورة من جرابه كما الحواة، ، بل القيام بتحليل مادي عن الفرد المندمج في ممارسة تاريخه وعالمه،
والذي ارتكب أخطاءً وحماقات قد تبدو لنا الآن حتمية، ولكنها غابت عن وعي الثورة في ذلك الوقت، فلم تكن أسطرة الأحداث من منهجه على الإطلاق. إننا ندعو إلى تجاوز عبد الخالق : ويالها من مهمة خطرة ! ، ولكننا نتواخّها بأسلوب عبد الخالق ذاته : " العمل ثم العمل " كما اشتهر على لسانه.
إننا نريد تجاوزه عبر تطبيق منهجه عليه، واستكناه أخطائه وفهم سبب نجاحاته، أي تجاوزه ديالكتيكاً. إن الماركسية اليوم في أزمة، إن الثورة اليوم في مأزق، ونحن مواجهون باختبار صادم :
يجب أن نعيد اختراع الحركة الثورية المستندة على الطبقة العاملة بوعي ماركسي خلاّق وسط أمواج ثورية متلاطمة، ومن البداية. والأمر يشبه مهمّة بناء سفينة وسط المحيط في خضم إعصار. قناعتنا أن تجربة عبد الخالق سارية لا تنهار.
إن انتصار ثورتنا الحالية يعتمد بالدرجة الأولى على مدى وضوح الأهداف الثورية أمام الجماهير، ومستوى تنظيمها السياسي ووجود حزبٍ متشبّع بأهداف الثورة وعالم بقوانين صراع الطبقات على رأسها، وقادر بالتالي على تحقيق قيادة حقيقية
على مجمل الشعب، يلهمه الوجهة ويضع أمامه خرائط التكتيك : كانت هذه هي وصفة روبيسبير في 1793م، و عبد الخالق في 1971م، ولا مفر من أن نفعل نحن ذلك أيضاً.
إنها عودة مليئة بالمصاعب. ولكن، من قال أن الثورة نزهة
Missing some Tweet in this thread?
You can try to force a refresh.

Like this thread? Get email updates or save it to PDF!

Subscribe to قدّام!
Profile picture

Get real-time email alerts when new unrolls are available from this author!

This content may be removed anytime!

Twitter may remove this content at anytime, convert it as a PDF, save and print for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video

1) Follow Thread Reader App on Twitter so you can easily mention us!

2) Go to a Twitter thread (series of Tweets by the same owner) and mention us with a keyword "unroll" @threadreaderapp unroll

You can practice here first or read more on our help page!

Follow Us on Twitter!

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just three indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3.00/month or $30.00/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!