My Authors
Read all threads
.
قصة
_____(ليالي الرعب)_____
[1]
داخل خزانة ملابسها اختبأت سارة وهي ترتجف من الرعب وقلبها يضطرب في صدرها يكاد يخرج منه وهي تسمع قرع والدها الباب قائلا: "افتحي يا العاهرة أنا غلطان اللي ما ربيتك" يتلوه صوت أمها تقول: "اذكر الله يا ابن الحلال والله إنها عندي وما سوت شي"=
ثم يخفت صوتهما وتسمع همهمة وجدالا بينهما ويبدو أنه اقتنع بحديث أمها وشهادتها أنها لم تكن عند باب البيت ولم تقترب منه على الإطلاق.
عندما عاد والد سارة من المسجد بعد صلاة العشاء وجد مجموعة من الفتية تقف عند باب بيته ثم انصرفوا قبل وصوله فوجد باب بيته مفتوحا قليلا فوقر في نفسه =
أن هؤلاء كانوا يعاكسون سارة وتعاكسهم فثار الدم في عروقه وكالعادة دائما ما تحط المصيبة على رأس الضعيف توجه نحو سارة التي ما إن رأته مقبلا حتى قالت: "يا هلا بعزي وتاج راسي" فعاجلها بصفعة ثم أخرى، وانهال عليها ضربا، فاستدارت لتهرب فركلها حتى كادت تقع فدفعتها قوة الركلة =
أن تواصل الركض ولم تشعر بنفسها إلا وهي في غرفتها قد أغلقت الباب واختبأت في خزانتها ولم تخرج إلا بعد ساعة لتلقي بجسدها الموجع لتسقي دموع عينيها وسادتها، لقد بكت كثيرا وبح صوتها، لقد عوقبت ولا تعلم لماذا، لقد ارتقى الأمر للاعتداء الجسدي، كأنه لم يكن كافيا كل ذلك =
الاعتداء النفسي واللفظي الذي تسمعه يوميا، (لو إنك ولد كان ارتحت من همك، أنت تكبرين ويكبر همك معك، لو إنك ولد كان نص التعب طاح، لو إنك ولد ... ولو إنك ولد ... ولو إنك ولد ...)، على مرأى ومسمع من أخويها اللذين تتوسطهما في الترتيب، لقد أرادت أن تعوض والدها بتفوقها، =
بذكائها وتخطيطها وتدبيرها لأموره، برعايته وبره، بكلماتها الحلوة، ولكن كل ذلك لا يجدي ما دامت فتاة، منها الخير لعيال الغير.
إن الصفعة الأولى أصبحت صفحة جديدة، ثقب في قلبها بدأ منه حب والدها بتسرب، لم تكن لتغفر له أبدا، خاصة أنها لم تفعل شيئا يستوجب العقاب البدني واللفظي، =
لقد قضت تلك الليلة عاجزة عن النوم، تخشى أن يدخل عليها وهي نائمة فيكمل ما بدأه مستغلا نوم أمها، كأن الباب المقفل لن يحميها، وكم كان مرعبا صوت المؤذن ساعة الفجر، فقد أدركت أنه الآن مستيقظ ولا تدري عما يخطط له، وانقضت ساعات الصباح الأولى وهي تتوجس خيفة كلما سمعت صوته،=
ما يزال موجودا، ما يزال الرعب يتملكها، أصبح حاميها المفترض مصدر تهديد قاتل، حتى بح صوت أمها وهي تناديها: "سارة افتحي يا بنتي" لكنها رفضت بإصرار على الرغم من أنها علمت أن والدها خرج ولم تطمئن حتى أقسمت لها أمها أنه أغلقت باب الشارع بالمزلاج ولن يستطيع أبوها أن يدخل فجأة =
[2]
انهارت أم سارة عندما رأت منظر ابنتها المليء بالكدمات والنزف، وثيابها الملطخة بالدماء، فقالت: "إيش هذا؟!"، لم يكن لدى سارة جواب، فهي لا تدري فعلا ولا تشعر بأي ألم، إنها ما تزال مصدومة مما حدث، فخافت على ابنتها خوفا شديدا أن تكون أصيبت إصابة خطرة، فاصطحبتها إلى المستشفى،=
وما إن رآها الطبيب حتى اتصل بالشرطة لتوثيق الحادثة، وعندما حضروا تملك سارة وأمها الرعب ورفضتا النطق بما يدين والد سارة زاعمتين أن سارة وقعت من الدرج، وعلى الرغم من إلحاح الشرطي وتأييد الطبيب أن الإصابات ناجمة عن اعتداء إلا أنهما رفضتا تغيير زعمهما وما منعهما إلا الرعب،=
فاستدعت الشرطة والدها الذي أنكر معرفته بشيء مما حدث وليس لديه تفسير، فاضطرت الشرطة لقفل القضية إذ لا توجد أنظمة حماية من العنف الأسري تواصل متابعة القضية واكتفى الطبيب بتحويل سارة للطب النفسي لعلها تستطيع اكتساب الشجاعة لتنقذ نفسها، إلا أن سارة لم تكن لديها الجرأة على =
مواصلة العلاج النفسي لأنها لم تتخط بعد الآثار الناجمة عن اعتداء والدها بلا سبب، لقد أصبح والدها وحشا مرعبا وصارت تتحاشاه، ولا تجادله وتتفادى أن تكون معه في نفس المكان، لقد بدأت فصلا جديدا من علاقتها بأبيها، لم يعد ذلك الأب الحنون الذي تتوقعه، إنه مجرد شخص يدير أمورها، =
غريب عنها لا تتخيله موجودا في أي مستقبل ترسمه.
اكتفت سارة بحياة افتراضية على الإنترنت وعزلة في غرفتها معظم الوقت، لا يقطعها سوى ما تؤمر بفعله، ركزت على تطوير نفسها وحاولت تعويض منعها من الدراسة الجامعية، إلى التعلم الذاتي، أحبت الرسم وطورت موهبتها فيها بأدوات بسيطة =
فلم يكن لديها المال الكافي لشراء الأدوات والبرامج، اضطرت أن تفكر كثيرا في كل خطوة وفي كل تصرف وتحديد مساحة حركتها بما لا يعرضها للخطر، وإن كان الخطر قد يأتي في أي لحظة بلا سبب.
فكرت كثيرا لماذا لا تنال نفس معاملة الذكر، لماذا يرتع أخواها في نعيم والدها كما يريدان =
بلا محاسبة ولا سؤال، لماذا عليها واجبات ليست عليهما ولماذا لهما حقوق لا تنالها بسبب أمر لا اختيار لها فيه، هي لم تقرر الظهور في عالم الوجود، ولم تختر نوع الكينونة التي تظهر بها، ولا اختارت المكان ولا الزمان، ولا اختارت الناس والأحداث في حياتها، لقد ألقيت هنا =
بلا سابق قرار ولا تخطيط منها، وعليها أن تتحمل تبعات ما لم تشارك في تخطيطه، بل هي مسؤولة ومحاسبة على أي حدث، ارتفعت أسئلتها إلى السماء، مرارا وتكرارا وكالعادة إن السماء لا تجيب عن الأسئلة، إن الأجوبة تأتي من الأرض ومن البشر الذين زعموا أنهم يعرفون ما تريد السماء،=
لكن الأجوبة كانت تنتهي دائما بعد البحث إلى حكمة مجهولة، ومراد مستور، وعلم مزعوم لا يدركه العقل، لقد كانت رحلة شاقة من البحث، لم تجد سارة فيها ما يشفي الغليل، إن العقل المتسائل لا يرضى بأنصاف الأجوبة، فإما معرفة كاملة، وإما ترك الأمر كما هو خارج حدود المعرفة الممكنة،=
لا حاجة لتصديق قصص البدائيين، إنما الحاجة لما يجدي في التعامل مع هذا الواقع المر، فتخلصت من الخرافات، ورمت المعتقدات التي لا تقدم المساعدة في سلة المهملات، لم تعد تؤمن بالأديان و الآلهة، بل تؤمن بنفسها إلهة لنفسها.=
[3]
كان يشغل بال أم سارة عزلة ابنتها وانطواؤها ففكرت كثيرا بطريقة تخرجها من عزلتها واستشارت من استشارت حتى وجدت من أشار عليها بأن تلتحق سارة معلمة بإحدى الدور النسائية لتحفيظ القرآن، وبعد جهد جهيد في إقناع والدها الذي تأمل أن يجلب لها ذلك من يخطبها فيتخلص من همها،=
عرضت الأمر على سارة التي ضحكت فور سماعها العرض تقول في نفسها: "هل هي إشارة من الله أم أن إلها آخر يعبث معها ليسلي نفسه" ولم تطل التفكير فهي فرصة للخروج ومصدر دخل قد يمنحها خيارات أكثر، لكنها انفجعت من شروط والدها، أن تلبس قفازات ولا تلبس نقاب ولا يظهر منها أي شيء،=
لكنها قبلت على مضض.
تعينت سارة في دار التحفيظ ومارست عملها بكل إخلاص متوج بفكاهة الواقع المرير، وفي الدار تعرفت على مثيلاتها في البؤس من الفتيات اللاتي كانت فرصتهن الوحيدة للخروج هي هذه الدار وتعمقت علاقتها بإحداهن، فقد كانت منى أقربهن إلى نفسها وتفكيرها =
إلا أنها ما زالت على دينها ولم تشغل بالها بالأسئلة الماورائية، ولم يكن ذلك بالشيء المهم لدى سارة كما أنها تخشى فتح موضوع الدين فتخسرها لسبب تافه.
وذات يوم تصادف دخولها مع دخول مديرة الدار وبعد التحية الباردة طلبت منها المديرة أن تأتي إليها في وقت فراغها لأمر ما،=
ولم تنشغل سارة بما تريده المديرة كثيرا وتجاهلت فضولها حتى ما إن فرغت من عملها وذهبت للقاء المديرة التي طلبت منها إغلاق الباب واستوت جالسة لتستمع لما تريده حتى فجعتها المديرة قائلة: "أنت زانية"، لقد أصاب سارة الرعب من هذه التهمة الشنيعة وانعقد لسانها =
وجحظت عيناها وفغرت فمها، وانشغل عقلها بما سيفعله ابوها لو استمع لهذا الكلام، وانحبس لسانها فلم تستطع أن تنطق بكلمة، وبدأت ترتعد من الخوف، وفقدت القدرة على التحكم بنفسها واستعبر وجهها، فلما رأت منها المديرة ذلك وأدركت أنها في الوضع الذي أرادت أن تضعها فيها

يتبع بعد قليل ...
قالت لها: "قال الرسول ...: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) ولما قابلتك عند الباب شميت عطرك من وراء الحجاب فكيف بالرجال الموجودين والحارس، احرصي جزاك الله خير".
تنفست سارة نفسا عميقا كأنها كانت قد احتبس عنها الهواء، وهدأت من خوفها واشتعل غضبها =
فقامت ولم تنبس بكلمة وذهبت إلى دورة المياه وأغلقت على نفسها وبكت وأطلقت دموع عينيها محاولة كتمان أي صوت يدل على حالها مع شهقات التنفس ودخلت في نوبة هلع وبكاء ولولا أن منى لاحظت ما حدث وقلقت عليها فقرعت عليها الباب تسالها: "سارة أنت كويسة؟" =
فاستجمعت وقوتها وقالت: " أيوه لحظة شوي"، وكفكفت دموعها وحاولت أن تظهر بمظهر طبيعي، وخرجت إليها وقد باءت كل محاولاتها لإخفاء ما فيها بالفشل عندما رأت منى قد انفجعت من رؤية مظهرها الذي تحاول إخفاءه فسألتها فزعة: "وش فيك؟ وش صار؟" فانهارت سارة باكية مرة أخرى وقصت لها ما حدث.=
كان وجود منى نعمة لا تقدر بثمن، فساندتها حتى استعادت رباطة جأشها وأصلحت من حالها، واحتضنتها حتى هدأت واستقرت نفسيا.
[4]
استأذنت سارة من أمها لتذهب مع أخيها الأصغر لؤي ذو 15 عاما إلى الصيدلية القريبة لشراء بعض الحاجات فأذنت لها على أن لا تتأخر وأن تحتجب الحجاب الكامل =
الذي يفرضه أبوها وأن تعود بسرعة، لكن أخاها اشترط أن تشتري له من البقالة التي بجوار الصيدلية بعض الحلوى والمشروبات الغازية وإلا فلن يذهب معها، ولم يكن لدى سارة مانع من إدخال السرور على قلب أخيها الصغير فهو في النهاية يقدم لها خدمة لا بأس بمكافأته عليها باصطحابها معه =
نظرا للشروط العسيرة التي يفرضها والدها في المنزل.
اشترت سارة حاجاتها من الصيدلية وعندما أرادت الدفع أعاقها القفاز عن فتح محفظتها فاضطرت لأن تخلع قفازا واحدا لتفتحها فما كان من أخيها الصغير إلا أن ضربها على يدها بقوة أوقعت المحفظة وقال: "غطي يدك يا قحبة" وحمل المحفظة =
وحاسب عن الأغراض فلما خرجا شرعت سارة توبخه على ما فعل فقال: انطمي بس! شغلك عند أبوي يأدبك" فانفجعت سارة وشرعت تتوسل إليه أن يكتم الأمر وستفعل له ما يشاء وهو يرفض بشدة حتى اضطرت أن تغريه بالمال ليصمت، فأسال لعابه بريق المال فاشترط أن تعطيه مئة ريال، فخضعت لابتزازه. =
لقد كان ثمنا زهيدا تشتري به سلامتها من الوحش الكاسر الذي سيحطم عظامها إن لم يقتلها ولا يحتمل قلبها ولا جسدها الضعيف أن تتعرض لنوبة أخرى من الضرب من كائن لا رحمة في قلبه الذي يبدو أنه أنجبها ليعذبها فقط.
عادت سارة وأخوها إلى البيت، ومضت نحو غرفتها مباشرة وأغلقت الباب =
وانغمست في نوبة بكاء وهلع، لقد بكت حتى تخدد وجهها من أثر الدموع واحمرت عيناها، وأحست بشيء ما يمسك قلبها ويسحقه بشدة أو أنه يريد انتزاعه من صدرها ثم استسلمت للنوم كأن عقلها تعب من كثرة المشاهد المتخيلة التي صنعها لو أن أبوها علم بما حدث، أو أن أخاها ينقض عهده ويخبره يوما ما. =
ولكن الأمر فاق توقعاتها لقد أصبح أخوها مبتزا لا يشبع فكلما اشتهى أمرا هددها بأن يخبر والدها لو لم تنفذ له رغباته، لقد وجد سلاحا يصوبه في وجه سارة فتستجيب له بلا نقاش ولا جدال، حتى استعبدها يأمرها وينهاها كما يشاء، وهي تستجيب تحت الذل خوفا مما سيحدث لو أفشى هذا السر. =
اشتكت الحال لصديقتها منى التي أشارت عليها أن تبحث عن أمر ما أو توقعه فيه ويكون شيئا يخشى أن يعرضه للعقوبة فيصبح من مصلحته أن يتكتم عليها لتتكتم عليها، فذهبت سارة تنبش في أغراضه عند غيابه عن المنزل حتى وجدت مرادها، فقد كان لديه آيبود لا أحد يعلم عنه مليء بصوره العارية =
وصور ومحادثات جنسية، فأخذت الآيبود وخبأته، ثم واجهته بما اكتشفت وتخلصت من ابتزازه ولؤمه.
[5]
انتشر خبر الأخ الذي أطلق النار على أخته ليلى في جريمة شرف كالنار في الهشيم وأصبح الأمر على كل لسان وانتشرت الشائعات عن الأسباب، وتداولت المجالس القصة، وذات يوم على الغداء =
كان أخو سارة الأكبر صقر يحكي القصة جوابا لسؤال والده عنها ويستعرض الشائعات التي انتشرت عن الضحية وسبب مقتلها ثم يعلق في النهاية قائلا: "لو صحيح هالكلام الله يلوم اللي يلومه" فيهز أبوه رأسه في صمت موافقا دون أي امتعاض أو استنكار على التعليق.
سمعت سارة الحوار كاملا دون أن تبدي =
أي ردة فعل أو أن تظهر اهتمامها بالقصة وكأنها بلهاء لا تعي ما يقال، وفي قلبها نيران تحرقها ورعب ما فتئ يتعاظم منذ تلك الصفعة الأولى وشعرت أن هذا مصيرها المحتوم وأن قاتليها أمامها جالسان يعدان العدة لما سيفعلانه بها يوما ما، لقد وقر في قلبها يقين راسخ أنها ستهلك =
بطريقة ما لا تدري ما هي، وأن من يزعمون حراستها ما هم إلا سجانوها وجلادوها الذين لم يقرروا بعد متى سينفذون فيها حكم الإعدام، لقد أصبح الخلود إلى النوم هو الراحة الوحيدة من التفكير المرعب بكل الاحتمالات، وأصبح الأمر وسواسا يوميا ينتابها في كل لحظة فراغ، ولم يمت مع موت القصة =
وانقطاع أخبارها ونسيان الناس لما حدث، بل كانت سارة تفكر في الضحية طوال الوقت، وتتخيل التفاصيل حتى آخر لحظة، لقد كسر فؤادها أن دماء النساء ليس لها ثمن، وأنهن بلا كرامة وأن وجودهن عبء على الرجال، وأن غلطة ما أو حتى شكوكا غير مؤكدة كافية لحرمانهن من الحياة دون أن يشفق عليهن أحد =
أو ينتصر لهن أو يوفر لهن الحماية، إنهن يعشن كفرائس مع المفترسين، متى ما قرر المفترس كسر رقبتها فلن يتردد لحظة، وسيجد المجتمع كله مناصر وعاذرا وحاميا ومبررا ومنافحا يدافع عنه.
حاولت منى أن تخفف عنها لكنها هي الأخرى تلاحظ ما لاحظته سارة وتعاني من نفس ما تعانيه لكنها =
تتظاهر بالقوة من أجل سارة، ولأن سارة إذا بقيت صامدة ستصمد هي أيضا، فلا أحد يعلم كيف لهاتين الصديقتين أن تعيشا دون وجودهما معا، لقد كانت كل واحدة منهما كل شيء للأخرى، فإن احتاجت إحداهما أما كانت الأخرى لها الأم، وإن احتاجت الأب كانت الأب، لقد صمدتا لأنهما كانتا معا على =
الحلوة والمرة دائما صديقتين وفيتين جمعتهما نفس الظروف لتشربا من نفس الكأس.
[6]
في إحدى الليالي جاءت رسالة من رقم مجهول إلى جوال سارة، شخص ما يحاول التقرب إليها والتعرف عليها، لقد أصابها الهلع مما قرأت، شخص ما يصف جمالها وحسنها ويود لو أنه قابلها في مكان عام، وأرسل لها =
صورها وهي في أبهى حلة.
لا أحد ولا أي لغة ولا أي خيال يستطيع أن يصف الرعب الذي هبط على قلب سارة، لقد بدأت تنتفض من الخوف انتفاض الإنسان العاري في ليلة شاتية من ليالي الصحراء القارسة البرودة، وبسرعة حظرت المتصل وأغلقت هاتفها ووضعته داخل خزانة الثياب ودفنته تحت أكوام من الملابس،=
بلا تفكير كانت تتصرف، بل بغريزة النجاة والبقاء على قيد الحياة، ثم انهارت في نوبة هلع، وبالكاد تمكنت من التماسك حتى الصباح، فلم تجرؤ على الاتصال بمنى لأن الخطر في الجوال، وانتظرت حتى لقيتها صباحا وهي في ذهول، تحكي ما حدث والرعب يخطف أنفاسها، وتتوسل إلى منى أن تجد لها حلا.=
أخفت منى رعبها هي الأخرى وتمالكت نفسها، وتمكنت من تهدئتها، ثم أخذت هاتف سارة ورأت محتوى الرسائل وجميع التفاصيل، لقد كانت جميع صور سارة ملتقطة في دار التحفيظ، ومن مسافة وتبدو فيها سارة غير منتبهة للتصوير، فقالت منى: "الموضوع راح ينحل لا تخافي" واتصلت بمكافحة الابتزاز وزودتهم =
بالمعلومات المطلوبة,
سرعان ما كشفوا صاحب الهاتف وهو زوج إحدى المعلمات في دار التحفيظ إذ تلصص على حاسوب زوجته وهاتفها وسرق مقاطع مسجلة لحفلات الدار واقتص منها صور سارة وتعرف على اسمها من شهادة شكر كانت تحملها بفرح في أحد المقاطع عليها اسمها. =
على الرغم من شعور الارتياح الذي غمر سارة إلا أن ما حدث دق ناقوس الخطر، فهذه المرة كان الاتصال بها مباشرة، فماذا لو كانت عملية انتقامية، وبدل أن تصل الرسائل إليها، تذهب إلى أبيها أو أخيها، إنها تعلم تماما ماذا سيحدث، وتذكرت ليلى ضحية جريمة الشرف،

يتبع بعد قليل ...
وماذا كان يقول أخوها وموقف والدها من كلامه.
إن الشعور المستمر بالتهديد جعل سارة لا تهنأ بعيش، ولا تكتمل لها فرحة، فماذا تفعل؟! هل تتزوج لتتخلص من هذا؟ لكن الزواج لم يحفظ لليلى حياتها، لقد تآمر زوجها مع أخيها وتركها فريسة غافلة، تظن أنها في حمى =
شريك سيدافع عنها مهما كان الثمن، لقد فكرت طويلا، وسهرت كثيرا، وفاتحت منى في هذا الموضوع، وأن انتظار الموت أشد من الموت، وبعد تفكير عميق قررتا أن بقاءهما في هذا المكان هو انتحار، ولا بد من الفرار.=
[7]
اتفقت سارة ومنى على الهروب من بلدهما واللجوء إلى مكان آمن، وبعد توفير ما يلزم من المال، قدمتا الاستقالة من الدار دون علم أهلهما، لكنهما ظلتا تخرجان كأنهما ما زالتا تعملان، وتعلمت سارة قيادة السيارة واستخرجت رخصة قيادة واستأجرتا سيارة ووضعتا فيها ما تحتاجانه =
للهروب واستصدرتا جوازي السفر، بعد أن افسدتا شرائح جوالي والديهما ليتسنى لهما إصدار الجواز والسفر قبل أن يدركا مشكلة الهاتف خوفا أن يكتشفا ما تخططان، وفي اليوم الموعود التقيتا صباحا، وانطلقتا نحو المطار، ودخلتا صالة المغادرين الدولية، وجرى الأمر بكل هدوء، =
وكل شيء يكاد يكون ساكنا ما عدا قلبيهما فقد كانا يخفقان بشدة، والرعب قد تمكن منهما، حتى حانت اللحظة المنتظرة، ونودي على رحلتهما، واصطفتا في طابور بوابة المغادرة تكاد أقدامهما لا تحملانهما، وما إن قدمتا بطاقة الصعود للطائرة، حتى نظر إليهما الموظف بشيء من الريبة، =
كأنه قد علم أنهما هاربتان، فقام يدقق في البطاقتين، ويحد النظر إليهما، وهما تكادان تنهاران من الرعب، ولولا أن المشرف أمر الموظف أن يسرع في الإجراءات لربما هربتا من المطار، فسمح الموظف لهما بالصعود، واستقرتا على مقعديهما في انتظار دقائق بدت كأنها سنوات لتقلع الطائرة،=
وكان أن بدأت الطائرة بالتحرك على المدرج، ثم انطلقت بأقصى سرعة كأن الطائرة تريد الهرب مثلهما وما إن ارتفعت الطائرة حتى بدأت سارة تشعر بشعور غريب يخامرها، إنه شعور فقدته منذ سنوات طويلة، حاولت أن تتعرف عليه، ثم تذكرته أخير مع سماعها قول الكابتن: "نتمنى لكم سفرا آمنا"،
نعم إنه شعور الأمان، ثم أغمضت عينيها وأمالت المقعد، وغطت في نوم عميق كأنها لم تنم طوال حياتها.

انتهت
تنسيق @threadreaderapp
Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh.

Keep Current with (KAVI) كاڤي

Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

Twitter may remove this content at anytime, convert it as a PDF, save and print for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video

1) Follow Thread Reader App on Twitter so you can easily mention us!

2) Go to a Twitter thread (series of Tweets by the same owner) and mention us with a keyword "unroll" @threadreaderapp unroll

You can practice here first or read more on our help page!

Follow Us on Twitter!

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3.00/month or $30.00/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!