"الإخوان المسلمون" جماعة إسلامية إصلاحية كبرى وهي امتداد لحركة الدعوة والإرشاد الإصلاحية التي أسسها الإمام السيد رشيد رضا ١٩٠٨ وجعل مجلة المنار صوتها وكان الإمام حسن البنا من أخص تلاميذه ووارث دعوته ومحرر مجلة المنار بعده حيث رثى شيخه رشيد رضا وذكر بأن جماعته هي امتداد لدعوة شيخه
تحقق حلم الشيخ رشيد رضا بقيام جماعة إصلاحية تجمع بين الدعوة والإرشاد والعمل السياسي على يد تلميذه الإمام حسن البنا الذي أسس الجماعة الجديدة الإخوان المسلمون ١٩٢٨م بمباركة شيخه وتوجيهه ودعا بعد وفاته ١٩٣٥م تلاميذه وأتباعه عبر مجلته المنار إلى التعاون معه على هدي الكتاب والسنة فقال
مضى الإمام البنا في دعوته الإصلاحية مجتهدا في الجمع بين
١- الدعوة إلى الله التي تقوم على العلم الشرعي والفقه العميق
٢- والعمل السياسي - من أجل وحدة الأمة وعودة الخلافة - الذي يقوم على فهم الواقع والوعي الدقيق
حتى إذا أرسل كتائبه للجهاد في فلسطين ١٩٤٨ حلت بريطانيا الجماعة واغتالته
كان التأسيس الثاني لجماعة الإخوان المسلمون سنة ١٩٥١م وفق شروط النظام الملكي الوظيفي والمحتل البريطاني وجيء بالهضيبي رجل القضاء والقانون ليكون المرشد الثاني للجماعة ولم يكن مع صلاحه وتقواه يتمتع بالزعامة ولا المكانة العلمية ولا القدرة الحركية التي كان يتمتع بها الإمام حسن البنا
عاشت الجماعة ومرشدها الثاني الهضيبي رحمه الله مدة عشرين سنة بين محنة الحل لها وإعدام شيوخها والسجن والإقامة الجبرية لمرشدها خاصة في عهد عبدالناصر حتى توفي الهضيبي ١٩٧١م وكان الحدث الأبرز هو إعدام سيد قطب ١٩٦٦ وصدور "ظلال القرآن" و"معالم على الطريق" ورد الهضيبي عليه "دعاة لا قضاة"
عبر الكتابان "معالم على الطريق" لسيد قطب و"دعاة لا قضاة" للهضيبي عن تباين في الرؤى الفكرية - كما وقع بين الأفغاني وعبده حتى جمع رشيد رضا ثم البنا بينهما - فبينما يدعو سيد إلى التغيير الثوري كان المرشد يؤمن بالإصلاح السلمي الذي أصبح الخط العام للجماعة وكان الواقع السياسي يفرض نفسه
كان حسن البنا وريث دعوة إصلاحية كبرى (بشر بها الأفغاني وعبده ونشرها رشيد رضا) كان هدفها
١-نهضة الأمة ووحدتها
٢-إقامة الجامعة الإسلامية
٣-واستعادة نظام الخلافة
٤- وإحياء فريضة الجهاد
ولا تستطع جماعة واحدة القيام بهذه المهام كلها فمضى تيار الهضيبي بخط الدعوة وتيار سيد بخط الجهاد
كان تعدد الجماعات الإسلامية في مصر بعد إعدام سيد قطب انعكاسا لتباين الرؤى بين خط الهضيبي الدعوي السلمي الذي عززه المرشد الثالث عمر التلمساني وخط سيد الثوري الذي تنامى حتى واجه بعد ذلك معاهدة كامب ديفيد بالقوة ثم وجد في ساحات الجهاد في فلسطين وسوريا وأفغانستان مساحة أوسع لنشاطه
كان عهد المرشد الثالث - عمر التلمساني الذي أفرج عنه السادات ١٩٧١ وتولى قيادة الجماعة ١٩٧٣م إلى وفاته ١٩٨٦م - عهد مصالحة مع النظام المصري والعربي والدولي وتعزز داخل الجماعة الخطاب الوطني والديمقراطي وبدأ ظهور (الإسلام السياسي) وتراجع فيها خط الإمام البنا (الخلافة) وخط سيد (الجهاد)
بتخلي(الإسلام السياسي) عن مشروع الجماعة الأصلي - وهو (استعادة الخلافة) - والتزامه بالمشروع الوطني (من ١٩٧٠ - ٢٠١٠) اُعتبر جزءا من النظام العربي الرسمي المحمي دوليا وشارك في البرلمانات والحكومات في كل الدول التي تخضع للنفوذ الغربي (الأمريكي الأوربي) وتأسس مكتب التنظيم الدولي بلندن
مضى (الإسلام السياسي) وفق شروط النظام العربي والدولي في التماهي مع الأنظمة القائمة في كل الدول التي سمح له فيها بالعمل - بعيدا عن خط الجماعة الأصلي وخط الإمام البنا وخط سيد - حتى شارك في حكومة الاحتلال الأمريكي في أفغانستان ٢٠٠١ والعراق ٢٠٠٣ وحكومة أوسلو في فلسطين ٢٠٠٦
أدت ثورة الشعوب العربية ٢٠١٠ - ٢٠٢٠ إلى انهيار النظام العربي الرسمي بشقيه الحكومي والشعبي - وتزلزل النظام الدولي الذي يرعاه منذ تأسيس الأمم المتحدة والجامعة العربية في عام واحد ١٩٤٥ - فانحاز خط (الجماعة) إلى الأمة وثورتها والتزم (الإسلام السياسي) بتفاهمه مع النظام العربي والدولي!

• • •

Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh
 

Keep Current with أ.د. حاكم المطيري

أ.د. حاكم المطيري Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

PDF

Twitter may remove this content at anytime! Save it as PDF for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video
  1. Follow @ThreadReaderApp to mention us!

  2. From a Twitter thread mention us with a keyword "unroll"
@threadreaderapp unroll

Practice here first or read more on our help page!

More from @DrHAKEM

16 Jun 19
العلمانية دين وضعي أرضي كغيرها من الأديان وأصحابها يؤمنون بها كحقيقة مطلقة سواء كانت ليبرالية صليبية أو شيوعية إلحادية مادية وكل من آمن ودان بها فقد اتخذها دينا ولهذا تقام لها الدول وتشن من أجلها الحروب وتقتل بسببها الشعوب كما فعلت روسيا من أجل الشيوعية وأمريكا من أجل الليبرالية!
الأديان الوضعية تجعل من السلطة ربا ففرعون مع عدم إيمانه برب حتى قال لموسى﴿وما رب العالمين﴾ يدعو إلى إقامة الدين والطاعة له بقوله ﴿ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم﴾ فسمى طاعتهم وخضوعهم له دينا وقال قومه ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾ أي طائعون خاضعون
الصراع الإسلامي العلماني ليس بين الدين والعقل والعلم كما يصوره دجاجلة الفكر بل بين دينين وعقليتين وعلمين ولهذا كان الخطاب القرآني صارما مع كل الملل ﴿قل يا أيها الكافرون.. لكم دينكم ولي دين﴾ بما فيهم الدهريون الماديون الذين يقولون ﴿نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر﴾ فلهم دينهم!
Read 10 tweets

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3/month or $30/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!

Follow Us on Twitter!