خلاصة الأمر أن السلاطين استطاعوا أن يمسخوا جميع المبادىء الإجتماعية التي جاء بها #الإسلام وضحى الشهداء أرواحهم في سبيلها، فحولوها عن طبيعتها الأولى وجعلوها ركيزة من ركائز نظامهم الغاشم.
وهذا كان من أهم الأسباب التي جعلت الإسلام في عهوده المتأخرة مطبوعاً بطابع الخنوع والجمود الفكري الإجتماعي، فلا نور فيه ولا نار!
صار المسلمون لا يفهمون من الدين سوى القيام بالطقوس الشكلية،ثم يرفعون أيديهم بالدعاء:"اللهم انصر الدين والدولة". أمسى الدين والدولة في نظرهم شيئا واحدا. فالمعارض للدولة هو عدو الدين،والمصلح الديني هو معارض للدولة. ولم يبق لسلطان المسلمين إلا أن يقول ما قال فرعون:"أنا ربكم الأعلى!"
يعتقد الشيخ علي عبد الرزاق أن هذه العقيدة الغاشمة التي أسبغت على السلاطين صبغة التقديس هي المسؤولة بالدرجة الأولى عما حل بالإسلام في عهوده المتأخرة من خنوع وإستكانة. وهو يرى أن #الإسلام بريء من هذه العقيدة. فالإسلام دين خالص لا يعرف مبدأ "الحق الإلهي".
ولكن السلاطين روجوا هذا...
المبدأ بين الناس لكي يتخذوا من الدين دروعاً تحمي عروشهم وتخفي دناءاتهم. فقد استبدوا بالمسلمين وأضلوهم عن الهدى وحجبوا عنهم مسالك النور وضيقوا على عقولهم. فأدى إلى موت قوى البحث ونشاط الفكر بين المسلمين، فأصيبوا بشلل في التفكير السياسي والنظر في كل ما يتصل بشأن الخلافة والخلفاء.
لا يخلو هذا القول من صواب، ولعله عين الصواب. فالعقيدة السلطانية التي استحوذت على عقول المسلمين هي من أهم الأسباب في هذا الخراب الشامل الذي لا تزال بقاياه ملحوظة في كل بلد من بلاد المسلمين.
لقد بعث #محمد في العالم تدافعاً إجتماعياً حرّك الأذهان وأنمى الحضارة. وكان المجتمع الإسلامي في أول أمره كالمرجل يغلي فتنبعث منه الأفكار الجديدة والحركة الدافقة.
ولكن السلاطين أخمدوا أنفاسه وخدروا عقول الناس بالمواعظ الرنانة التي من شأنها تبرير عمل الحاكم ووضع اللوم على المحكوم.
فوجئت بحادثة تصح أن تكون نموذجا رائعاً لمهزلة العقل البشري. فقد ألقيت محاضرة عامة في قاعة الآداب، حاولت أن أبحث فيها بعض ظواهر التفسخ الخلقي والاجتماعي في #مكة قبل البعثة المحمدية.
وقد أشرت أثناء المحاضرة إلى مدى التشابه بين التفسخ الذي كانت عليه قريش آنذاك وهذا التفسخ الذي عليه المترفون من قومنا في هذا العصر. ولم يكن يخطر ببالي أن هناك من بين المستمعين من يقدس قريشاً أو يقدس المترفين في عصر من العصور.
سئلت أثناء المحاضرة عن النبي محمد. ورأيي في هذا #النبي معروف، يعرفه جميع طلابي الذين يحضرون صفوفي وجميع القرّاء الذين يقرأون كتبي، وليس عندي ما أكتمه في هذا الصدد.
نحمد الله أننا نعيش في عصر جديد، حيث نزلت الدولة من عليائها وأزيح عنها ستار "الحق الإلهي" المقدس، وأصبحنا ننظر إلى الحكام كما ننظر إلى الخدام الذين يستأجرهم الناس في رعاية شؤونهم.
دخلت ذات مرة دائرة من دوائر الحكومة فرأيت أعرابياً حافياً رث الثياب يهدد الموظف ويتوعده ويفرض عليه أمره كما يفرض أي سيد من سادة القرون الماضية أمراً على عبيده. فشعرت أني أعيش في عصر جديد.
وقد قارنت هذا بما مر علي في مطلع شبابي حين كنت أدخل الدائرة الحكومية وأنا أتعثر بأذيالي خشية أن يأمر الموظف بحبسي وهو السيد المطاع.
يحتفل #الشيعة في أيامنا هذه بمقتل #الحسين إحتفالاً ضخماً. فهم يذرفون فيه الدمع الغزير، ويلطمون الصدور والظهور، ويجرحون الرؤوس. ولنا أن نقول أن إحتفال الشيعة هذا أمسى "طقوسياً" ليس فيه من روحه الثورية الأولى شيئاً.
يبكي أحدهم على #الحسين في مجلس التعزية ثم لا يبالي بعد ذلك أن يسير في الناس سيرة يزيد.
وإني لأنظر أحياناً إلى بعض المتزعمين الذين يتصدرون المواكب أو يقيمون الولائم باسم الحسين، فأراهم لا يختلفون في أخلاقهم عن بني أمية ولست أستبعد من أحدهم أن يقتل #الحسين حين يأمره يزيد أو يغمز له معاوية. إنهم يبكون على الحسين في شهر محرم ثم يقتلونه في الأشهر الأخرى.