Thread by @NorsForStudies

#تحليل_سياسي

بمجرد تهديد سلطات بلد وظيفي ما، فإن القوات الأجنبية الموكلة بهذا البلد والمستفيدة منه اقتصاديا أو جيوسياسيا ستتدخل لضمان سلامة هذه السلطات، على شكل قوات حفظ السلام، أو حلف دولي أو مستشارين عسكريين أو مرتزقة أو حتى دخول عسكري مباشر (حل أخير).

يروج النظام العالمي

للشعوب الغربية إلى أن إسقاط الحكومات العميلة في الشرق الأوسط سيؤدي لفوضى وإرهاب، وتهديدا للقيم الغربية والأقليات في ذلك البلد من قبل المسلمين. كما يروج للشعوب العربية إلى أن سقوط الحكومات الوظيفية سيضعف البلاد ويدخلها في فوضى.

حقيقة فإن إسقاط الأنظمة الوظيفية سيؤدي الى فوضى، إن

لم يكن الطرف المقابل منظما وموحدا، وبعد ذلك سيؤدي إلى حصار وحتى الى تدخل عسكري، إن لم تبايع السلطة الجديدة النظام العالمي، وإن لم تقم بالمهام الموكلة للنظام الوظيفي السابق.

مؤخرا رأى النظام العالمي أن القوة الصلبة مكلفة ماديا لأنها تعمل على مبدأ الضغط المستمر على نابض وبمجرد

ازالة الضغط سيعود لوضعه الطبيعي، وربما بدأ يدرك أن الأنظمة الوظيفية وبانشغالها بمجال الأمن الداخلي فقط، يؤدي ذلك إلى فساد إداري واقتصادي من قبل النظام الوظيفي، لأنه يجب أن يطعم أجنحته ضمانا لولائهم، مما يؤدي في النتيجة الى تآكل النظام من الداخل والى ازدياد الغضب الشعبي تجاهه، ومع

تعاظم الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، يؤدي ذلك الى ثورات منها ثورات الجوع. إن سقوط الأنظمة يتسبب بفوضى لكن بقائها أيضا يؤجل الفوضى ولا يلغيها بحال من الأحوال، فلا يستقيم ورك على ضلع.

من غير الممكن إسقاط الأنظمة العميلة بتعاون مع النظام العالمي، أو عن طريق معارضة خارجية، وهذا

من الحماقة السياسية، لأن النظام العالمي هو من صنع ووضع النظام الوظيفي، ولن يتعدى دور المعارضة الخارجية إلا في كونها ورقة ضغط أو عصى على النظام الوظيفي لأداء مهامه على أتم وجه.

من الممكن إسقاط الأنظمة العميلة بانتفاضة شعبية عارمة، لكن بغياب القطب الآخر، الموحد والمنظم والمستقل

والمرغوب اجتماعيا، فستتمكن هذه الأنظمة من بناء رأس جديد لها وإعادة انتاج نفسها لمدد قصيرة بدعم من النظام العالمي ومنظماته كصندوق النقد والبنك الدولي والأمم المتحدة، عادة ما يكون إعادة الانتاج مكلفا ومؤديا في نهاية المطاف الى أضرار جسيمة بسمعة وآيديولوجية النظام العالمي.

من

الصعب إسقاط الأنظمة المستقرة، وهي الدول التي تديرها مؤسسات وليس أشخاص، إلا بصراع داخلي، يؤدي لانقسام المؤسسات من الداخل، ويؤخر اسقاط هذه الأنظمة تهديدات خارجية لشعوب هذه الأنظمة، لأن النظام سيقوم بتوظيف ذلك لإثبات سياساته الخارجية والداخلية.

من غير الممكن إسقاط نظام وظيفي سلميا،

لأن النظام العالمي والنظام الوظيفي والنخب الحاكمة والاقتصادية والمالية سيتحالفون لمنع تغيير الواقع المحابي لهم، ولشيطنة الحركات السلمية واختراقها ثم انهائها. ربما نجحت بعض الحركات السلمية في الوصول لأهدافها في القرن الماضي، لكن كان ذلك نتيجة لعاملين رئيسيين، أولهما أن هذه الحركات

كانت في دول غير اسلامية، ولأن النظام العالمي كان وقتها قويا ويريد الترويج للسلام في آيديولوجيته، لمنع أي تنظيم من اللجوء للعنف.

إذا لا يمكن إسقاط نظام وظيفي من قبل تنظيمات مسلحة، إلا بشروط محددة، أهمها:

1. الحصول على تأييد شعبي ولو محدود، لأن الشعوب ستكون متذبذبة مفضلة

للاستقرار، وستكون عرضة لانتقام النظام الوظيفي.

2. عدم استعجال تغيير المجتمع لإخراجه من الجهل، فتغيير المجتمع مهمة صعبة وطويلة وتحتاج لاستراتيجية والتركيز على القضايا المفصلية وترميم الأخلاق وترك القشور، وعدم استخدام أساليب الأنظمة المتأسلمة الوظيفية التي حصرت تطبيق الدين

بالقشور كتغيير اللباس، أو المظهر الخارجي، فالشعوب تحتاج لوقت للخروج من حالة الضعف والجهل والقهر بعد عقود من الاستعباد.

3. قيادة موحدة ذات كفاءة منافسة عالميا في المجالات السياسية والعسكرية والإدارية والاجتماعية والخدماتية والدينية. وعدم بنائها على أساس قبلي أو إرضائي أو أمني.

ووضع كل صاحب صنعة في صنعته.

4. صبر استراتيجي (زرع دون استعجال الحصاد، والذي قد يكون في أي وقت لكنه ليس بالوقت الذي يشاءه البشر)

5. وجود هيكليات قبلية قوية، مبنية على دراسة للقبائل والعائلات لمعرفة تاريخها ومواقفها التاريخية، وهيكلية دينية عميقة موثوق بها، قادرة على تحقيق

الانضباط بطرق عقلانية. ففي بلداننا البنى القبلية ضعيفة ومتنافسة، واستغلها النظام الوظيفي، فاعطى لكع ابن لكع مقعدا في البرلمان ليقرر في شؤون البلاد ومصالح العباد وهو لا علم له الا علوم رعاية الأغنام، كما أعطى ناعق بن ضفدع منصبا دينيا ليفتي الناس بما يضمن بقاء النظام وتهواه نفوسهم

ويناسب عقولهم. هذه الهياكل متنافسة وضعيفة ولا تلقى قبولا بين جميع الناس، كما أن الطاعة (الاختيارية) غير موجودة بسبب اختلاط الطبقات الاجتماعية وضعف تأصيل القبائل والعائلات
5. قراءة التاريخ والعلوم والتفكير والتخطيط والتعلم، واستخلاص الدروس المستفادة.
6. فهم أن مهمة الحفاظ على

السلطة الجغرافية بعد سقوط النظام مهمة صعبة ومؤقتة، بسبب عدم وجود خبرات حالية في استخدام القوة الناعمة أو الذكية، بل هناك اعتقاد سائد في مجتمعاتنا أن كل مشكلة مسمار يحتاج لمطرقة، والقوة الصلبة مناسبة دائما، مع تناسي تأثير الاقتصاد والشعوب والاعلام، وقدرة النظام الدولي على الحصار

والضغط والمناورة والصبر، حتى إعلان الطاعة للنظام العالمي ، وسيكون من الصعب للغاية لأي منتصر على نظام وظيفي مقاومة هذا. وحتى اعلان الطاعة، لا يعني قبول النظام العالمي، فهو بحاجة لعملاء لا يفكرون ولا يبرعون الا بالقتل والاجرام والقوة الصلبة مع أعداء النظام العالمي، كما أنه وبمجرد

اعلان الطاعة للنظام الدولي فستنشأ مجموعات جديدة تحارب هذا النظام الجديد، أو محموعات حالية تستفيد من نقل رصيد اتباع النظام الجديد لها، لأنها لن تقبل بولادة نظام وظيفي مشابه للأنظمة المنضوية تحت مظلة النظام الدولي؟

حتى بعد سقوط النظام الوظيفي، سيكون المنتصر الغير وظيفي وصاحب

المشروع أمام مهمة أكبر وأكثر تعقيدا وهي إدارة الشعوب، وهي عملية معقدة جدا وربما مستحيلة في ظل وجود النظام العالمي القادر على فرض حصار على الشعوب وحتى التدخل العسكري (تماما كما فعلت الأنظمة الوظيفية لكن باحترافية أكثر)، فدول كبيرة لا تستطيع مقاومة النظام العالمي، وأي مشاريع جديدة

تحتاج للمقاومة والصبر حتى لحظة الانهيار. فنحن لدينا إمكانيات ضعيفة وفي ظل هيمنة "النظام العالمي" من الصعب إسقاط الأنظمة حتى الوظيفية، وإن سقط إحداها فسيتم انتاج نظام مشابه، لأن النظام العالمي مترابط، ويعلم كيف يلعب لعبة القوة الذكية والناعمة، كما انه أقدر على التفكير الاستراتيجي.

لذلك أمام أي كيان جديد خيارين، إما الانتصار عسكريا ثم الانضواء تحت راية النظام العالمي والتخلي عن مبادئ الإسلام عروة عروة، أو مقاومة هذا النظام العالمي، وبالتالي التعرض للحصار وللضربات الجوية، خاصة إن لم يكن لك حلفاء أقوياء، ثم ثورة شعبية ضدك من اولئك الذين ليسوا مستعدين للتضحيات

الكبيرة في معركة كبيرة، لذلك من المستبعد إقامة نظام مستقل وقوي حتى ينهار النظام العالمي، ونحن أمام مقدمات انهياره.
انتهى