هل التواتر حجة؟
تسمع كثيرا من المتدينين أن أديانهم منقولة بالتواتر وأن التواتر يدل على اليقين لكن هل هم صادقون في الدعوى والتطبيق؟
فماذا يعني التواتر؟
وهل التواتر يفيد اليقين المطابق للواقع
وهل التواتر بديهي أم نظري
وهل يقبلون كل تواتر؟
دعونا نناقش هذه القضية=
يبحث المنطق الأرسطي الصوري عن القضايا التي تفيد اليقين
ويقصد باليقين:
الاعتقاد
الجازم
المطابق للواقع
غير القابل للزوال
مثل (امتناع اجتماع النقيضين) أم القضايا العقلية الأولية
فهذه قضية صادقة صدقا دائما
فلن تجد لها في الواقع ما يكسرها أبدا
على فرض أن الإنسان يدرك الواقع كما هو =
والقضايا المتواترة في المنطق الأرسطي من اليقينيات ويشترط:
عددا كبيرا يستحيل معه اتفاقهم على الكذب
وأن يكون مستندهم على الحس
ولا يفرق المنطق بين أي متواتر من أي جهة حين تتحقق الشروط ويضفي عليه صفة اليقين بالمعنى المنطقي
أي ثبوت المحمول للموضوع ثباتا جازما دائما مطابقا للواقع =
لكن الأصوليين والمحدثين لا يقصدون هذا اليقين حين يطلقون لفظه في الدين، لذا علينا التمييز بين اليقين المنطقي الفلسفي، الذي هو أعلى درجات العلم
واليقين الأصولي والحديثي الذي يراد به اليقين العرفي وهو أعلى درجات الظن المقارب للعلم
يقول الغزالي في المستصفى ج1
وهنا إن جزموا بيقين التواتر مطلقا كان على المسلمين القبول بتواتر المسيحيين والعكس والسنة والشيعة كذلك وكل تواتر من أي جهة وهو ما لا يقبله أحد منهم بالمطلق
فلو كان من اليقينيات في زعمهم لقبلوه من كل أحد كما يقبله المناطقة والفلاسفة فإذا قبلوه بعضا دون بعض كان اعترافا =
بأنهم لا يعدونه من اليقينيات إلا إذا كان يوافق عقائدهم ولا عذر بصحة السند فالتواتر لا أهمية فيه لعدالة الرواة لأن عددهم يوثق تواترهم جملة ولا معنى لرد تواتر المخالف إلا التحيز للعقائد.
=
واختلفوا هل التواتر قضية قبلية بدهية كامتناع اجتماع النقيضين أم قضية بعدية نظرية وقالوا أنه نظري للاستدلال عليه بمقدمتي العدد والحس، وقالوا بديهي لأنه يدركه حتى الصبيان، (الإحكام للآمدي 2\15) =
الفيلسوف الشيعي الصدر لا يقر بأن التواتر يفيد اليقين المنطقي بل لا يراه من البديهيات وإنما يعده استقرائيا وتابعه تلميذه كمال الحيدري بحكم أن العقل المعزول عن الخارج لا يستطيع الحكم باستحالة الصدفة الدائمة واتفاق العدد الكبير على الكذب =
لكنه يستطيع الحكم بامتناع اجتماع النقيضين دون الحاجة للعالم الخارجي وبما أنه استقرائي فهو ظني لا يفيد اليقين المنطقي (الأسس المنطقية للاستقراء - الصدر ص 387
- المذهب الذاتي في نظرية المعرفة – الحيدري ص 209) =
بهذه النتيجة يصبح لدى المتدين إشكالان إما أن يمنح القضية التجريبية اليقين الذي يمنحه للمتواتر فينكر المعجزات ويكذب كتبه المقدسة وإما أن ينزع اليقين من المتواتر فتسقط منظومته الدينية بأكملها =
ولا يخرج من هذين الإشكالين إلا بأن يعتقد عدم ضرورة مطابقة التواتر للواقع وهنا سيقع في إشكال آخر وهو أن يعتقد أن منظومته الدينية مبنية على الظن لا على اليقين المنطقي أو على الاطمئنان القريب من اليقين أو الظن الراجح. =
العدد
لا اتفاق على عدد معين يكون به حد التواتر لا في المنطق الأرسطي ولا عند الأصوليين على الرغم من وجود أقوال غير مبنية على أصل عقلي واكتفوا بالقول بالعدد الذي يتحصل به العلم وهذا من الدور فيكون تحصيل العلم بشرط العلم
مطابقة التواتر للواقع
حسب المنطق الأرسطي فإن المتواتر من اليقينيات الست التي تتصف بصفات اليقين المنطقي (الاعتقاد الجازم المطابق للواقع غير القابل للزوال) ولكن هل هذا صحيح؟
إذا كان التواتر استقرائيا فهو غير صحيح ومن الممكن إثبات ذلك دينيا وعقليا =
فأما دينيا فلدينا حادثتان وقع في الأولى اختلاف مع الواقع ووقع في الثانية اختلاف في التصديق، فالأولى هي حادثة سحرة فرعون في القرآن حين ألقوا عصيهم فسحروا أعين الناس وأخافوهم وهنا نتوقف ونتساءل لو أن موسى لم يلق عصاه ويكشف سحرهم
ألن يتحقق شرطا التواتر لهذا الخبر بأن السحرة =
حولوا العصي والحبال إلى ثعابين؟
سيتحقق التواتر لكنه لن يطابق الواقع وإذن لا يتحقق اليقين المنطقي
الثانية حادثة صلب المسيح، فالمسيحيون لديهم تواتر بصلبه، والقرآن يرفض هذا التواتر لعدم مطابقته الواقع فالمصلوب ليس المسيح، وبهذا يثبت لنا أن التواتر لا يطابق الواقع بلا إشكال دينيا =
أما من ناحية عقلية فلا يجتمع النقيضان حتما، فتخيل معي مباراة كرة قدم حضرها 60 ألف مشجع وحصلت حالة التحام بين مدافع ومهاجم في منطقة الجزاء سقط على إثرها المهاجم فإنك لن تعجز أن تحصل على تواترين يفيد أحدهما بمخالفة لصالح المهاجم ويفيد الآخر بأنه لا توجد عرقلة واللعبة قانونية =
وقطعا بلا شك أحدهما تواتر غير مطابق للواقع وهو ما نريد إثباته أن التواتر ليس يقينيا بالمعنى المنطقي ولا مطابقا للواقع دائما وبهذا تم مطلوبنا كما يقول ابن سينا
فإن قالوا تعصبا لأنديتهم قلنا كذلك تفعلون لأديانكم
أو قالوا أخطأ الحس قلنا غرضنا تواتر غير مطابق للواقع وقد وقع
ينطلق الدليل من الحجة الغائية ولكن بطريقة الاستقراء المتبع في منهج الفيلسوف الشيعي محمد باقر الصدر الذي أسس له في كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) واتبع فيه نظرية الاحتمالات
الكتاب متوفر PDF = echo-najaf.blogspot.com/2020/10/blog-p…
بناء حجة الدليل ليسهل نقدها:
1 يوجد توافق هائل بين عدد كبير من الظواهر وحاجة الإنسان للحياة
2 احتمال أن توجد كل هذه الظواهر المعدة لتناسب حياة الإنسان صدفة ضئيل جدا
3 احتمال أن يكون وراءها فاعل مختار هيأ الظروف لتناسب حياة الإنسان كبير جدا 4- إذن يوجد فاعل حكيم هو الله =
سيبدأ نقد الحجة أولا بطلب البرهنة على أن الكون أعد خصيصا ليستضيف الحياة وهو ما لم يقدمه أحد
ثم نطلب البرهنة على أن الظواهر الكونية لو اختلفت لن ينتج عنها حياة بالمطلق وهو ما لا يستطيعه أحد
بهذين النقدين لا يصبح الدليل سوى فرض غير مبرهن =
فلسفة تعتقد أن القيم الأخلاقية معينة من وجهة نظر أحادية (ذكورية) دون أن تأخذ في حسبانها وجهة النظر الأنثوية والتجربة والخبرة الأخلاقية للمرأة
لذا يجب إعادة تقويم الأخلاق بوجهة نظر غير منحازة تشمل القيم المتعلقة بالمرأة =
الفلسفة الأخلاقية النسوية تقول إن المرأة تفكر تفكيرا مختلفا عن الرجل ولسيطرة الرجل على الميدان الفلسفي فإنه لم ينسب إلى الفضائل النسوية قيمة مستحقة وربما همشها ونزع منها القيمة وسخفها بل أدى ذلك إلى الزعم بأن النساء غير ناضجات أخلاقيا بينما يعطي قيمة أكبر للفضائل الذكورية =
فأعطى قيمة أعلى للصفات الذكورية كالاستقلال والاعتماد على النفس وشدة الحذر والسيطرة والتعالي والقتال والموت
وأعطى قيمة أقل للصفات الأنثوية كالترابط والتواصل والمشاركة والتعاطف والرعاية والعلاج والبهجة والسلام والحياة
فهل يتحتم على المرأة أن تتشبه بالرجل أخلاقيا لتكون فاضلة؟!=
مغالطة الحجة المخصصة
تسمى أيضا الإنقاذ المخصص أو Ad hoc argument
هي ليست حجة بل استراتيجية شائعة أو تكتيك جدلي يستهدف حماية الادعاء وإنقاذه من هجوم الأدلة المضادة بتقديم حل بديل يكون في الغالب 1- تخمينيا 2- أو غبر قابل للاختبار والدحض 3- أو غير قابل للتعميم =
ويعتقد صاحبها أنه يقوي حجته لكنه في الحقيقة يضعفها بالتخمينات أو بنقل عبء الإثبات
مثال:
- طليقي ما يزال يحبني
= لكنه خطب فلانة
-عشان يخليني أغار
= لكن حدد موعد الزواج وأرسل الدعوات
-عشان يتأكد إني عرفت
الجملة الثالثة والأخيرة هي الحجة المخصصة لإنقاذ الادعاء في=
الجملة الأولى من الأدلة الداحضة وهي تخمينية غير قابلة للتحقق والتعميم
يكثر استعمال الحجة المخصصة في الأديان ونظريات المؤامرة والأرض المسطحة ونظرية التطور
أمثلة
المعجزات: يجري اللجوء إلى زعم تدخل إلهي لتنفيذ المعجزة التي تفندها الأدلة التجريبية وكذلك اللجوء إلى =
آين راند 1905-1982 والفلسفة الموضوعية (Randism أو Objectivism)
مقدمة مختصرة جدا
فيلسوفة أمريكية من أصل روسي وروائية وكاتبة مسرحية أسست فلسفتها ونشرتها عن طريق رواياتها، كانت تعارض الأيديولوجيات الشمولية كالأديان والشيوعية والنازية إلخ
المبدأ الميتافيزيقي لفلسفتها هو الوجود موجود ويجب أن نتعاطى معه كما هو وليس كما نريد، لأنه لن يكون كما نريد، أي أن الواقع معطى موضوعي.
الوجود هو البديهية الأولى ولا يوجد شيء ولا بديل ولا أي مفهوم ماورائي
الوجود أن يكون شيء أو قانون الهوية أ = أ
تعتقد راند أن عقل الإنسان هو وسيلته الوحيدة لإدراك الكون إلا أنها تحصر المعرفة بأجمعها عن طريق الإدراك الحسي لذا تصنف ضمن الأبستمولوجيا التجريبية لكنها ترفض الفصل بين ما هو عقلاني وما هو تجريبي إذ تقدم الحواس المادة الخام للمعالجة العقلانية ومن دون ذلك يستحيل تحصيل المعرفة=