عن اساطير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان.

1- ليس صحيحا ان التدقيق الجنائي في مصرف لبنان هو "شرط" مفروض من الخارج. لا صندوق النقد الدولي طالب به. ولا "المبادرة الفرنسية" تضمنته في صيغتها الاخيرة! ولا الادارة الاميركية تحتاج اليه في ما يخصها ويخص عقوباتها.
2- ما تحتاج اليه الادارة الاميركية هو "وجود حاكم لمصرف لبنان تثق به ويمكنه أن يتبادل معها المعلومات الحساسة والسرية حول تمويل الإرهاب وتبييض الأموال". وفق ما قاله مارشال بيلنغسلي في 10 نيسان/ ابريل 2019، وجزم حينها: "انه يثق بالحاكم رياض سلامه ونائب الحاكم محمد بعاصيري".
3- اما صندوق النقد فيطالب بـ"تدقيق محاسبي ومالي" لميزانية مصرف لبنان "من أجل تقييم أصوله والتزاماته". وقال جيري رايس: "أن هذا التدقيق سيساعد على تقييم تمويل البنك المركزي للحكومة والهندسة المالية التي كان ينتهجها، وهما عنصران مهمان لفهم الخسائر المتكبدة في السابق".
4- ان طلب تدخّل صندوق النقد عبر برنامج قروض مشروط يفرض اجراء التدقيق في حسابات مصرف لبنان حكما. ولكن ليس بالضرورة التدقيق الجنائي المركّز، وانما التدقيق الذي يمكّن موظفي الصندوق من ادارة نماذجهم ووصفاتهم، والتأكّد من "ان ميزان المدفوعات سيكون قويا بدرجة كافية لسداد القروض".
5- لم يصدر عن صندوق النقد اي تلميح الى "التدقيق الجنائي"، الا ان كريستالينا غورغيفا قالت: "نبغي أن يتسم النظام المالي بالملاءة، فالذين سبق واستفادوا من العائدات المفرطة في السابق يجب ان يتشاركوا أعباء إعادة رسملة البنوك لضمان حماية مدخرات الغالبية العظمى من المودعين العاديين".
6- لم تدعم "المبادرة الفرنسية" التدقيق الجنائي، بل طلبت "الموافقة السريعة على التدابير الوقائية التي طلبها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك القانون المتعلق بالكابيتال كونترول، والتدقيق في حسابات مصرف لبنان (عن طريق المباشرة فوراً في التدقيق الذي تم تكليف شركة oliver waymang به)".
7- تقدّم الجانب الفرنسي باقتراح ضد الاجراءات المتخذة في مجلس الوزراء، وطرح استبدال "التدقيق الجنائي" بآخر يتولاه "موظفون" من بنك فرنسا (المركزي). وجاء هذا الاقتراح بعد ابرام العقود مع Alvarez & Marsal للتدقيق الجنائي وkpmg وoliver waymang للتدقيق المحاسبي والاداري.
8- سارع رياض سلامة للترحيب بالاقتراح الفرنسي، وقال في مقابلة بالفرنسية مع "عرب نيوز" في 24 اب/ اغسطس: "نحن على استعداد للترحيب بهم (موظفو بنك فرنسا) عندما يرغبون في ذلك". وبالفعل، جاء موفدون من بنك فرنسا الى بيروت، وسافر سلامة الى باريس منذ ايام لبلورة هذا الاقتراح.
9- يطالب رياض سلامة بالخروج الآمن من مصرف لبنان، ويعتقد ان الاقتراح الفرنسي يمكن ان يوفّر له "الضمانات" لعدم ملاحقته جنائيا. لقد طُرحت اقالته مرتين في نيسان/ ابريل وحزيران/ يونيو الماضيين، ما اضطره الى ابلاغ "الشركاء" من شهور عدّة انه مستعد للمغادرة شرط الّا "يتبهدل"
10- في هذا الوقت، يعود الحديث بقوّة عن ان سمير عسّاف هو المرشح الفرنسي البديل عن سلامة. ويجري ترشيحه كضمان اضافي عبر التحكّم بـ"مصرف لبنان" من "جهة"، يُفترض ان تثق بها القوى السياسية والاقتصادية التي تقاتل بشراسة ضد تحميلها وزر النتائج التي قد يكشفها اي تدقيق اذا حصل.
11- اذا كان "التدقيق المحاسبي" في مصرف لبنان مفروضا كشرط "تقني" لمعاينة "الخسائر" في الجهاز المصرفي، فالتدقيق الجنائي كان يُفترض به معاينة "الفساد"، اي البحث عن ادلة على ان هذه "الخسائر" نتجت عن "جرائم مالية" او "مخالفات قانونية" او "كسب غير مشروع" او "ربح غير مستحق"... الخ.
12- تاريخ "التدقيق الجنائي" هو تاريخ البحث عن مخططات الاحتيال Ponzi"، اي ان هدفه الكشف عن الحيل التي تم عبرها السطو على "الودائع" و"المال العام" لدفع "العوائد السخية" للمصارف وكبار المودعين والدائنين وتهريبها الى الخارج. وهذا هو الاتهام الابرز الموجّه ضد مصرف لبنان والمصارف.
13- ليست مصادفة ان الذين اجهضوا خطة الحكومة السابقة للتفاوض مع صندوق النقد، ورفضوا الاعتراف بالخسائر المالية المتراكمة، وعارضوا شطب رساميل المصارف لتعويض بعض خسائر المودعين... هم انفسهم الذين تحرّكوا مع رياض سلامة لاجهاض عقد التدقيق الجنائي في مصرف لبنان.
14- وليست مصادفة انهم هم انفسهم الذين ينكرون "الافلاس الاحتيالي" ويركزون الانظار على ما يسمّونه "الفساد السياسي" حصرا بوصفه مصدر كل العلل، ويزعمون انهم يريدون تصويب البوصلة نحو "حسابات الدولة"، حيث السرقة والهدر، لا في حسابات مصرف لبنان.
15- لنتذكر ان الهندسة المالية وحدها (مثلا)، التي اجراها مصرف لبنان مع المصارف في النصف الثاني من 2016، اعطت المصارف ارباحا فورية بقيمة 5.5 مليار دولار، منها نحو 740 مليون دولار لافراد، اذ دفع مصرف لبنان عائدا سخيا (40%) على توظيف المصارف نحو 14 مليار دولار من الودائع لديه.
16- التدقيق الجنائي، مثل اي وسيلة، ليس هدفا بذاته، وهو ليس الوسيلة الوحيدة، وليس بديلا عن المسارات القضائية والادارية، وهو ليس منفصلا باي شكل من الاشكال عن العملية السياسية وميزان القوى الاقتصادية والاجتماعية المتحكمة بها... لذلك، نعرف مسبقا انه يمكن التلاعب به وبنتائجه.
17- ان فرض اجراء التدقيق الجنائي كان سيساهم في معركتين مفتوحتين: (1) انتهاك حرمة الوحش المالي، و(2) واضعاف السردية الكاسحة عن ان المصارف اقرضت الودائع لمصرف لبنان وهو اقرضها للحكومة، وهكذا تبخّرت الودائع وما على الدولة الا مواصلة الدفع من "جيوب الناس" حتى تعود الامور الى نصابها.
18- قال سليم صفير لـ"النهار (19/11/2020): "لا يزال الافلاس بعيد جدا، ويمكن ان نبقى على هذه الحال سنوات". ماذا يعني ذلك؟ فلكي لا يخسر اصحاب المصارف رساميلهم، لا باس ان تبقى ودائع بقيمة 156 مليار دولار ، نحو 80% منها بالعملة الصعبة، "مجهولة المصير" الى اجل غير محدد: "سنوات"!
19- "الاستقلالية المطلقة" المزعومة للبنك المركزي، حوّلته الى قلعة محصنة للاوليغارشية، تخفي فيها طرقها لمراكمة الثروات وانتزاع الملكيات والاستحواذ على دخل المجتمع. فحتى في القانون اللبناني يوجد ما يكفي للقول ان مساءلة مصرف لبنان ومحاسبته يُفترض ان تكون القاعدة لا الاستثناء،
20- يعدّ مصرف لبنان اصخم مصرف مركزي في العالم، اذ بلغت قيمة موجوداته 270% من مجمل الناتج المحلي في العام الماضي. ما تفعله المصارف المركزية عادة لا يخلق الثروة وانما يعيد توزيعها، وهذا يجعل من مصرف لبنان الكيان الاضخم في الدولة حيث تجري عملية اعادة انتاج هياكل الهيمنة والاستغلال.

• • •

Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh
 

Keep Current with mohammad zbeeb

mohammad zbeeb Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

PDF

Twitter may remove this content at anytime! Save it as PDF for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video
  1. Follow @ThreadReaderApp to mention us!

  2. From a Twitter thread mention us with a keyword "unroll"
@threadreaderapp unroll

Practice here first or read more on our help page!

More from @mzbeeb

27 Oct
وصف حالة نظام بائد (2)

نشر صندوق النقد الدولي تحديثات جديدة لتقديراته وتوقعاته حول اوضاع اقتصادات الدول الاعضاء، ومنها لبنان.
فيما يلي 4 رسوم بيانية تبين ان الحلول التقنية المطروحة لن تجدي نفعا ما لم تقترن بتغيير بنيوي في الاقتصاد السياسي يهدف الى انقاذ الاقتصاد والمجتمع.
1- يظهر ان مجمل الناتج المحلي سجّل في هذا العام انكماشا حادّا بنسبة 25%، وانخفض دفعة واحدة من 52.5 مليار دولار في عام 2019 الى 18.7 مليار دولار في عام 2020، وبات يساوي اليوم ثلث قيمته (تقريبا) في عام 2018. وعاد الى مستواه في عام 2002، وخسر 18 عاما من النمو الاقتصادي المزعوم.
2- يعتمد الصندوق على تقديرات الامم المتحدة لعدد السكان في لبنان البالغ نحو 6.8 مليون نسمة.ويستنتج ان متوسط حصة الفرد من مجمل الناتج المحلي انخفضت بحدّة من 7660 دولارا في العام الماضي الى 2740 دولار، اي انه عاد الى مستواه في عام 1994 قبل 26 عاما.
Read 4 tweets
25 Oct
وصف حالة نظام بائد

(1/11)
تخبرنا الوقائع الماثلة اليوم ان:
- النظام المصرفي في لبنان مفلس برمته،
- ونظام الائتمان الذي يصعب تخيّل نظام رأسمالي يعمل من دونه معطّل بالكامل،
- ونظام حرّية تحويل رأس المال الذي تأسس عليه النظام الليبرالي اللبناني تاريخيا معلّق الى اجل غير مسمى،
(2/11)
- نظام سعر الصرف الثابت منهار ولم يتبق منه غير الركام واسعار الدولار الكثيرة.
- ونظام حرية التجارة مقيّد بالسياسات النقدية والمالية الانكماشية.
- نظام الاقتصاد الحر والملكية الخاصة مهشّم بفعل مصادرة الودائع من قبل المصرفيين والاستيلاء عليها ورفضهم تحمّل اي خسارة،
(3/11)
- ونظام الدفع متوقف ويكاد يقتصر على الكاش واشكال الدفع البدائية،
- ونظام السرية المصرفية لم يعد مرادفا الا للجريمة وهو ينازع تحت الضغوط الخارجية.
Read 11 tweets
22 Oct
1/4
وزّعت جمعية المصارف هذا التعميم (الصور المرفقة) على المدراء العامين في المصارف، وهو يتضمن جواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مراسلات الجمعية في شأن "توضيح" التعميم 154،
2/4
يقول جواب سلامة بوضوح: "ان موجب الحث مرتبط بان يكوّن كل مصرف حسابا خارجيا لا يقل عن 3% من مجموع الودائع لديه بالعملات الاجنبية". و"ان عدم قيام المعنيين بتحويل ما يحثهم عليه لا يشكّل جرما جزائيا يعاقب عليه المصارف او المعنيين عملا باحكام القانون 44 (مكافحة تبييض الاموال".
3/4
للتذكير: يقضي التعميم 154 بـ"حث" كل من قام (اعتبارا من 1/72017) بتحويل اكثر من 500 الف دولار الى الخارج على إعادة 15% من تحويلاته، وترتفع النسبة الى 30% اذا كانت التحويلات لرؤوساء واعضاء مجالس الادارة وكبار المساهمين والمديرين في المصارف والأشخاص المعرّضين سياسياً (PEPs).
Read 4 tweets
13 Oct
(1/7)
"سري للغاية"!
تثبت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان في كل مرّة انها ليست سوى اداة من الادوات المستعملة للتعمية على واحدة من اكبر عمليات الاحتيال المصرفي والسطو على الودائع ومصادرتها وتهريبها للخارج لحساب اقلية نافذة من كبار المصرفيين والمودعين والسياسيين.
(2/7)
فيما يلي نسخة عن قرار "سري" صادر عن هذه الهيئة بتاريخ 17 ايلول/ سبتمبر 2020، يرمي الى ابلاغ النيابة العامة التمييزية بنتائج "دراسة" الحسابات المفتوحة لدى المصارف للاشخاص المعرضين سياسيا (PEPs).
(3/7)
ووفق هذا القرار "افادت جميع المصارف ان ليس لديها اي شبهات في شأن تحويلات هؤلاء الى الخارج". وهذا يعني ان هيئة التحقيق الخاصة، الجهة الوحيدة المخوّلة برفع السرية المصرفية، لا تريد ان تعمل الا بوصفها ساعي بريد ينقل اجوبة المصارف من دون اجراء اي تحقيق او تدقيق.
Read 7 tweets
4 Oct
(1/6)
#رح_يخلصو_المصريات #شو_فينا_نقول؟
نشر الاقتصادي توفيق كسبار ورقة تحت عنوان "الانهيار المالي في لبنان: دراسة تشريحية". تتضمن هذه الورقة استنتاجات مهمّة، الا ان الاهم فيها انها تقدّم ادلّة على ان "الحكومة هي من كانت تُقرض مصرف لبنان اموالا بالعملات الاجنبية وليس العكس"،
(2/6)
الجدول المرفق (الذي ورد في ورقة كسبار) يبيّن ان مصرف لبنان حصل بين عامي 2009 و2019 على 17.5 مليار دولار من الحكومة عبر عمليات مبادلة سندات خزينة بالليرة يمتلكها بسندات يوروبوندز بالدولار تصدرها الحكومة. وكانت هذه المبادلات مصدرا مهما للاموال بالدولار بالنسبة لمصرف لبنان،
(3/6)
في المقابل، بلغ صافي السلف بالدولار، التي منحها مصرف لبنان للحكومة لتمويل استيراد الفيول وتسديد الفوائد على الدين الخارجي وامور اخرى، نحو 13 مليار دولار. اي اقل بنحو 4.5 مليار دولار من القروض بالدولار التي منحتها الحكومة لمصرف لبنان، علما ان الحكومة سددت جميع سلفها بالليرة،
Read 6 tweets
2 Oct
1/4
انخفضت موجودات البنك المركزي بالعملة الصعبة بقيمة 11.3 مليار دولار منذ بداية هذا العام حتى نهاية ايلول. اللافت ان اكثر من 7 مليارات دولار منها خسرها بعد حزيران، اي ان 62% من النزف حصل في الاشهر الثلاثة الاخيرة، ومن ضمنها خسارة 2.2 مليار دولار في الاسبوعين الماضيين وحدهما. Image
2/4
تتسارع وتيرة استنزاف السيولة بالدولار. وهذه هي ذريعة سلامة للتوقف عن تمويل استيراد القمح والدواء والوقود على سعر الصرف الثابت، وتمويل استيراد سلع منتقاة من السلة الاستهلاكية على سعر الصرف على المنصة. ولكن هل دعم اسعار الاستيراد هو المسؤول وحده عن النزف في الفترة الاخيرة؟
3/4
الواضح ان سلامة اختار وقف تمويل الاستيراد لكي يواصل تمويل العمليات مع المصارف، بما في ذلك تمويل تحويلاتها الى الخارج واكسابها بعض الوقت الاضافي القاتل قبل اعلان الافلاس.
Read 4 tweets

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3/month or $30/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!

Follow Us on Twitter!