عن ما يسمّى "دعم":
1-لنتذكر دائما اننا حتى الآن، وعلى الرغم من كل ما حصل ويحصل، لا نعرف حقا كمية الدولارات الحقيقية التي ما زالت موجودة في عهدة البنك المركزي. لذلك ليس امامنا خيار سوى اللجوء الى الارقام التي يعلنها رياض سلامة مع معرفتنا المسبقة انها غير صحيحة.
2-تخبرنا هذه الارقام ان موجودات العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان انخفضت من 29.5 مليار دولار في بداية هذا العام الى 17.6 مليار دولار في هذا الشهر، اي ان مصرف لبنان انفق في هذه الفترة نحو 11.9 مليار دولار من الدولارات الموضوعة في عهدته.
3-يزعم رياض سلامة ان 4.5 مليار دولار من الدولارات التي فقدها مصرف لبنان تم استعمالها لتمويل 85% من مستوردات المحروقات والدواء والقمح على سعر الصرف الثابت الرسمي (1507.50 ليرة وسطيا) و"السلة الغذائية" على سعر المنصة (3900 ليرة).
4-اذا كانت هذه الارقام صحيحة، فهي تعني ان ثلث الدولارات (فقط) التي فقدها مصرف لبنان تم استعمالها لتمويل ما يسمّى "الدعم"، في حين ان ثلثي الدولارات المفقودة تم استعمالها لاغراض اخرى، ولا سيما تغطية التزامات في الخارج وتهريب المزيد من الودائع للنافذين والمصرفيين وكبار المودعين.
5-ما يسمى "دعم"، على كل علّاته والفوائد الجمّة التي وفّرها لعدد قليل من المستوردين المحتكرين، لم يكن هو مصدر النزف الرئيس للدولارات المتبقية، وبالتالي ليس هو المسؤول عمّا يجري اتهامه به لتسويغ الغائه واطلاق موجة تضخم جديدة لاسعار الاستهلاك قد تكون اعلى من الموجات السابقة.
6- مجددا، تنجح الاوليغارشية في استدراجنا الى سرديتها للاحداث. وتستخدم "اصحاب الودائع" كمتراس لمصالحها عبر الايهام ان "الدعم" هو المسؤول عن خسارة ما تبقى من ودائع وليس عمليات تهريب الودائع الى الخارج! تريد هذه السردية ان تقنعنا ان مشكلتنا تكمن في ثلث نزيف الدولارات لا في الثلثين!
7- المقولة رائجة تقول ان "توظيفات المصارف الالزامية" لدى مصرف لبنان (15% من ودائع الدولار) غير قابلة للاستعمال. لماذا؟ لانها "ودائع الناس"! ولكن هناك 75 مليار دولار من "الودائع" وظّفتها المصارف في مصرف لبنان وهو انفقها كلّها بالفعل ما عدا 17.6 مليار دولار يزعم انها المتبقية لديه.
8- ليس صحيحا ان مصرف لبنان لا يستطيع استعمال "التوظيفات الالزامية بالدولار"، بمعزل اذا كان استعمالها جيّد ام سيء، فالقانون لم ينص على فرضها، وانما هي اجراء اداري اتخذه سلامة بموجب تعميم صادر في عام 2001، وهو يمتلك الصلاحية الكاملة لالغاء هذا الاجراء او تعديله او تغيير وجهته.
9- الخدعة الكبيرة هي القول المتكرر ان الدعم يجب ان يتوقف للمحافظة على ما تبقى من "ودائع الناس". ولكن، اي "ناس" بالضبط؟ فاذا كنت محظيا ونجحت باخراج مليون دولار الى الخارج فانت ستكون في عداد هؤلاء "الناس"، لان مصرفك سيأخذ هذا المليون من الدولارات المتبقية في عهدة مصرف لبنان.
10- اذا كنت من "الناس العاديين" فلن تحصل على سنت واحد، بل ستنال حفنة من الليرات كل شهر عبر تحويل اجزاء من وديعتك الى الليرة على سعر 3900 ليرة. نظريا، ففي مقابل كل 100 دولار سحبتها من وديعتك نقصت التوظيفات الالزامية 15 دولارا. لقد قبلت بفتات الليرات، فلمن ذهبت الدولارات اذا؟
11- يمارس "الاعلام" ادواره القذرة بجدارة. فما ان اعلن رياض سلامة في تموز الماضي ان "التوظيفات الالزامية" غير قابلة للاستعمال في تمويل استيراد "السلع الحيوية"، حتى انطلقت حملة واسعة لشيطنة "الدعم" وتقديس "الاحتياطي". ولكن سلامة نفسه لم يكن هذا رأيه قبل ذلك.
12- تقدّم المفاضلة في "الاعلام" كأنها بين "حقوق المودعين" المهدورة و"حقوق المستهلكين" السخية! ويتم تحويل كل الاهتمام الآن الى مطلب "ترشيق الدعم"، اي تخفيضه. ولكن، ما نشهده اليوم هو فصل جديد من فصول التزاحم المحموم للاستحواذ على ما تبقى من الدولارات لدى مصرف لبنان.
13- للتبسيط، اذا افترضنا ان بامكاني شراء كل الدولارات التي يزعم مصرف لبنان انها موجودة لديه (17.6 مليار دولار)، فسأحتاج الى نحو 26 الف و607 مليار ليرة، ولكن هذا المبلغ نفسه لن يشتري لي من السوق الحقيقية الآن سوى 3.1 دولار فقط على سعر الصرف 8500 ليرة.
14- اذا كنت قويا بما يكفي، فساحاول ان انتزع ما امكنني من دولارات مصرف لبنان، امّا للهروب بها وحفظها في الخارج بعيدا عن متناول المنافسين الآخرين، واما لاستخدامها في المضاربات والتجارة وجني الارباح الطائلة منها عبر رفع اسعار الاستهلاك في سوق احتكارية لا تنافسية.
15- الامر اكثر تعقيدا من هذا المثال الكاريكاتوري. ولكن الفكرة تقول انه: كلما اشتدت حالة نقص الدولار يشتد التزاحم ويدفع الى اخراج المنافسين الاكثر ضعفا. لذلك، الحديث عن "ترشيد الدعم" هو حديث عمن سيتم استبعادهم، اي شرائح واسعة من الفقراء وذوي الاجور بالليرة واصحاب الدخل المتوسط.
16- يجري فرض المزيد من "الضوابط على الاستيراد والاستهلاك" في الوقت الذي يغيب كل حديث عن "ضوابط رأس المال". ويجري تبرير ذلك بالحاجة الى ابطاء سرعة استنزاف ما تبقى من دولارات في تمويل التجارة مع اغفال شبه تام للحاجة الى وقف تهريب الرساميل الى الخارج.
17- لا علاقة للحديث عن "ترشيق الدعم" بالودائع وحقوق المودعين بل بقوارب النجاة للبعض على حساب البعض الآخر، والامعان في السياسات الانكماشية والتقشفية التي يقودها مصرف لبنان وكلفتها الاقتصادية والاجتماعية الباهظة.
الحديث الدائر حاليا هو عن الانتقال من درجة بؤس الى درجة بؤس اعلى.
تصحيح: *3.1 مليار دولار وليس 3.1 دولارا.

• • •

Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh
 

Keep Current with mohammad zbeeb

mohammad zbeeb Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

PDF

Twitter may remove this content at anytime! Save it as PDF for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video
  1. Follow @ThreadReaderApp to mention us!

  2. From a Twitter thread mention us with a keyword "unroll"
@threadreaderapp unroll

Practice here first or read more on our help page!

More from @mzbeeb

23 Nov
عن اساطير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان.

1- ليس صحيحا ان التدقيق الجنائي في مصرف لبنان هو "شرط" مفروض من الخارج. لا صندوق النقد الدولي طالب به. ولا "المبادرة الفرنسية" تضمنته في صيغتها الاخيرة! ولا الادارة الاميركية تحتاج اليه في ما يخصها ويخص عقوباتها.
2- ما تحتاج اليه الادارة الاميركية هو "وجود حاكم لمصرف لبنان تثق به ويمكنه أن يتبادل معها المعلومات الحساسة والسرية حول تمويل الإرهاب وتبييض الأموال". وفق ما قاله مارشال بيلنغسلي في 10 نيسان/ ابريل 2019، وجزم حينها: "انه يثق بالحاكم رياض سلامه ونائب الحاكم محمد بعاصيري".
3- اما صندوق النقد فيطالب بـ"تدقيق محاسبي ومالي" لميزانية مصرف لبنان "من أجل تقييم أصوله والتزاماته". وقال جيري رايس: "أن هذا التدقيق سيساعد على تقييم تمويل البنك المركزي للحكومة والهندسة المالية التي كان ينتهجها، وهما عنصران مهمان لفهم الخسائر المتكبدة في السابق".
Read 20 tweets
27 Oct
وصف حالة نظام بائد (2)

نشر صندوق النقد الدولي تحديثات جديدة لتقديراته وتوقعاته حول اوضاع اقتصادات الدول الاعضاء، ومنها لبنان.
فيما يلي 4 رسوم بيانية تبين ان الحلول التقنية المطروحة لن تجدي نفعا ما لم تقترن بتغيير بنيوي في الاقتصاد السياسي يهدف الى انقاذ الاقتصاد والمجتمع.
1- يظهر ان مجمل الناتج المحلي سجّل في هذا العام انكماشا حادّا بنسبة 25%، وانخفض دفعة واحدة من 52.5 مليار دولار في عام 2019 الى 18.7 مليار دولار في عام 2020، وبات يساوي اليوم ثلث قيمته (تقريبا) في عام 2018. وعاد الى مستواه في عام 2002، وخسر 18 عاما من النمو الاقتصادي المزعوم.
2- يعتمد الصندوق على تقديرات الامم المتحدة لعدد السكان في لبنان البالغ نحو 6.8 مليون نسمة.ويستنتج ان متوسط حصة الفرد من مجمل الناتج المحلي انخفضت بحدّة من 7660 دولارا في العام الماضي الى 2740 دولار، اي انه عاد الى مستواه في عام 1994 قبل 26 عاما.
Read 4 tweets
25 Oct
وصف حالة نظام بائد

(1/11)
تخبرنا الوقائع الماثلة اليوم ان:
- النظام المصرفي في لبنان مفلس برمته،
- ونظام الائتمان الذي يصعب تخيّل نظام رأسمالي يعمل من دونه معطّل بالكامل،
- ونظام حرّية تحويل رأس المال الذي تأسس عليه النظام الليبرالي اللبناني تاريخيا معلّق الى اجل غير مسمى،
(2/11)
- نظام سعر الصرف الثابت منهار ولم يتبق منه غير الركام واسعار الدولار الكثيرة.
- ونظام حرية التجارة مقيّد بالسياسات النقدية والمالية الانكماشية.
- نظام الاقتصاد الحر والملكية الخاصة مهشّم بفعل مصادرة الودائع من قبل المصرفيين والاستيلاء عليها ورفضهم تحمّل اي خسارة،
(3/11)
- ونظام الدفع متوقف ويكاد يقتصر على الكاش واشكال الدفع البدائية،
- ونظام السرية المصرفية لم يعد مرادفا الا للجريمة وهو ينازع تحت الضغوط الخارجية.
Read 11 tweets
22 Oct
1/4
وزّعت جمعية المصارف هذا التعميم (الصور المرفقة) على المدراء العامين في المصارف، وهو يتضمن جواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مراسلات الجمعية في شأن "توضيح" التعميم 154،
2/4
يقول جواب سلامة بوضوح: "ان موجب الحث مرتبط بان يكوّن كل مصرف حسابا خارجيا لا يقل عن 3% من مجموع الودائع لديه بالعملات الاجنبية". و"ان عدم قيام المعنيين بتحويل ما يحثهم عليه لا يشكّل جرما جزائيا يعاقب عليه المصارف او المعنيين عملا باحكام القانون 44 (مكافحة تبييض الاموال".
3/4
للتذكير: يقضي التعميم 154 بـ"حث" كل من قام (اعتبارا من 1/72017) بتحويل اكثر من 500 الف دولار الى الخارج على إعادة 15% من تحويلاته، وترتفع النسبة الى 30% اذا كانت التحويلات لرؤوساء واعضاء مجالس الادارة وكبار المساهمين والمديرين في المصارف والأشخاص المعرّضين سياسياً (PEPs).
Read 4 tweets
13 Oct
(1/7)
"سري للغاية"!
تثبت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان في كل مرّة انها ليست سوى اداة من الادوات المستعملة للتعمية على واحدة من اكبر عمليات الاحتيال المصرفي والسطو على الودائع ومصادرتها وتهريبها للخارج لحساب اقلية نافذة من كبار المصرفيين والمودعين والسياسيين.
(2/7)
فيما يلي نسخة عن قرار "سري" صادر عن هذه الهيئة بتاريخ 17 ايلول/ سبتمبر 2020، يرمي الى ابلاغ النيابة العامة التمييزية بنتائج "دراسة" الحسابات المفتوحة لدى المصارف للاشخاص المعرضين سياسيا (PEPs).
(3/7)
ووفق هذا القرار "افادت جميع المصارف ان ليس لديها اي شبهات في شأن تحويلات هؤلاء الى الخارج". وهذا يعني ان هيئة التحقيق الخاصة، الجهة الوحيدة المخوّلة برفع السرية المصرفية، لا تريد ان تعمل الا بوصفها ساعي بريد ينقل اجوبة المصارف من دون اجراء اي تحقيق او تدقيق.
Read 7 tweets
4 Oct
(1/6)
#رح_يخلصو_المصريات #شو_فينا_نقول؟
نشر الاقتصادي توفيق كسبار ورقة تحت عنوان "الانهيار المالي في لبنان: دراسة تشريحية". تتضمن هذه الورقة استنتاجات مهمّة، الا ان الاهم فيها انها تقدّم ادلّة على ان "الحكومة هي من كانت تُقرض مصرف لبنان اموالا بالعملات الاجنبية وليس العكس"،
(2/6)
الجدول المرفق (الذي ورد في ورقة كسبار) يبيّن ان مصرف لبنان حصل بين عامي 2009 و2019 على 17.5 مليار دولار من الحكومة عبر عمليات مبادلة سندات خزينة بالليرة يمتلكها بسندات يوروبوندز بالدولار تصدرها الحكومة. وكانت هذه المبادلات مصدرا مهما للاموال بالدولار بالنسبة لمصرف لبنان،
(3/6)
في المقابل، بلغ صافي السلف بالدولار، التي منحها مصرف لبنان للحكومة لتمويل استيراد الفيول وتسديد الفوائد على الدين الخارجي وامور اخرى، نحو 13 مليار دولار. اي اقل بنحو 4.5 مليار دولار من القروض بالدولار التي منحتها الحكومة لمصرف لبنان، علما ان الحكومة سددت جميع سلفها بالليرة،
Read 6 tweets

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3/month or $30/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!

Follow Us on Twitter!