هي مفارقة مشهورة في الفلسفة تتحدث عن معضلة استمرار الهوية مع الزمن بنيت على الأسطورة اليونانية التي تقول إن آلهة البحر دمجت البطل ثيسوس مع سفينته فأعطاها ذلك قوة خارقة تستطيع بها التغلب على سفن القراصنة جميعا وهنا سنسمي السفينة (أ)=
استمرت سلالة ثيسوس بقيادة السفينة لعشرات السنين مستفيدة من قوة السفينة الخارقة في حكم البحار، ولكن السفينة مع مرور الوقت تحتاج لترميم بعض أجزائها فيضطر قائدها إلى تبديل الأجزاء القديمة كل مدة حتى استبدل جميع أجزائها وهنا سنسمي هذه النسخة السفينة (ب).=
أضاف الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز تعقيدا إضافيا للمعضلة.
فقد كان بعض القراصنة يترصدون لمواعيد ترميم السفينة ويجمعون الأجزاء المستبدلة ليبنوا منها في النهاية سفينة مطابقة لسفينة ثيسوس المرممة وهنا سنسمي هذه السفينة (ج).=
والآن أي السفينتين (ب) و (ج) هي الهوية المستمرة للسفينة (أ)، هل هي السفينة المرممة أو سفينة القراصنة التي بنوها من الأجزاء المرممة؟
ولنفهم المعضلة لنطبقها على الإنسان ونفترض أن فتاة اسمها (هند) في عمر 30 سنة استدانت من البنك 100 ألف ريال تسددها بعد 10 سنوات،=
وخلال هذه السنوات العشر أجرت عمليات تجميل غيرت شكلها واضطرت لزراعة أعضاء من متبرعين بسبب حالتها الصحية، فهل يحق لها أن ترفض سداد المبلغ لأنها لم تعد هند التي اقترضت المبلغ؟
من الواضح أن الناس جميعا لن يتوقفوا عن التعامل معها على أنها هند نفسها قبل 10 سنوات=
لأن هويتها ليست مرتبطة بجسدها المادي.
إذن ماذا سيكون ارتباط هويتها؟ هل هو عقلها؟
وعلى افتراض أن العقل هو منتج المخ المادي فلو تخيلنا أننا في المستقبل تمكنا من نقل المخ من جسد إلى جسد آخر واستعملت هند المبلغ الذي اقترضته لتتبادل مخها مع رجل اسمه (زيد) يريد أن يضع مخه في جسد آخر=
فمن سيسدد المبلغ جسد هند الذي أصبح فيه مخ زيد الذي لا يعرف شيئا عن هذا الدين؟ أم مخ هند الذي في جسد زيد؟
قد يميل البعض إلى جعل جسد زيد الذي يحوي مخ هند هو الذي سوف يسدد لأنه هو الذي يتذكر القرض فيكون رابط الهوية هو الذاكرة، وهذا ما قاله الفيلسوف الإنكليزي جون لوك.=
لكن هذا لا يحل المعضلة فالإنسان منذ تلقيح البويضة وحتى أولى سنوات عمره لا يتذكر شيئا من ذلك فهل نقول هنا أن الهوية مختلفة؟ بالطبع لا
وماذا لو كان شخص ما اسمه (عبيد) قد فقد الذاكرة، ولا يعرف هو نفسه حتى اسمه ومن هو؟ هل سيفقد هويته؟ بالطبع لا فالناس الذين يعرفونه سيظلون =
يعاملونه على أنه عبيد حتى وإن كان هو لا يتذكر ذلك.
إذن ليست الذاكرة رابط الهوية بل حتى لو جاء شخص ما في عمر 70سنة بصورته وهو طفل وبصورته وهو في 30 وبصورته وهو في 70 فلن تجد رابطا يجمعهما سواء جسديا أو حتى في الذاكرة فقد يكون ابن 30 يعرف شيئا لم يعرفه وهو طفل ثم نسيه بعد ذلك=
فما الهوية التي تجمع الصور الثلاث؟ مع أنه متيقن تماما أنه نفس الشخص في الصور فما الذي يجعلنا نقر ببداهة أن الشخص نفسه في الصور الثلاث؟ بل نحن نطلق عليه نفس الاسم ومستعدون لمعاقبته في سن 70 على جريمة ارتكبها في سن 30.
ولقد كان اختراعنا الأسماء شيئا ميزنا عن بقية الكائنات =
دعونا نزيد الأمر تعقيدا
ماذا لو دخل الشخص ذو 70 عاما في غيبوبة مزمنة ووجدنا له وصية كتبها في عمر 30 أنه في حال دخوله في غيبوبة فإنه يسمح للأطباء أن يوقفوا عمل الأجهزة التي تبقيه على قيد الحياة أي أن يقتلوه
فهل سيفعل الطبيب ذلك بناء على وصية من 40 عاما؟
ولو فعلها فهل سنعاقبه؟=
أيا كان جوابك ستكون أمام معضلة إن لم تنفذ الوصية فأنت تقر أن الهوية غير مستمرة ومع ذلك تتعامل في الواقع على أنها مستمرة فتقر أن الميت هو من كتب الوصية
وإن نفذتها فأنت تقر أنها مستمرة ومع ذلك أنت غير قادر على برهنة استمرار الهوية
من رأى مسلسل V أو Grimm أو أي فيلم عن المتحولين Mutants أو الزومبي ومصاصي الدماء والمستذئبين
سيدرك المعضلة بسهولة.
السؤال:
كيف أتأكد أن الآخرين يفكرون ويشعرون مثلي تماما
قد لا تعلم أن إجابته قد شغلت الفلاسفة =
أنا أعلم بمحتويات عقلي ووعيي وأفكاري ومشاعري وأدراكي بشكل جلي
لكن محتويات عقل الآخر محجوبة عني وليس لدي معرفة إلا بسلوكه الخارجي
فهل هذا دليل على أن عقله يعمل مثل عقلي تماما؟
شخصيات الأعمال السينمائية السابقة تظهر بشكل يشبهني لكن عقولها ليست كذلك فهل يكفي المظهر الخارجي دليلا=
أنا أحس بالألم وأظهر ردة فعل معينة
وعندما أشاهد نفس ردة الفعل من شخص آخر أستدل بذلك على أنه يحس بنفس الإحساس فهل هذا دليل كافٍ
هذا يسمى التعميم غير المسؤول وهو تعميم استدلال استقرائي بناء على نتيجة واحدة هي أنت
الدليل الاستقرائي ظني قائم على تعميم تكرار النتائج على الجميع=
طائر الدودو Dodo
يقول العلماء إن نظرية التطور هي الأدق في استنتاج سبب تنوع الكائنات الحية نظرا لما تقدمه من تفسير أو تنبؤ يشرح طبيعة الكتلة الحيوية في كوكب الأرض وسلوك أفرادها، وهذا ما سيتبين خلال عرض المأساة التي تعرض لها طائر الدودو الذي تسبب به سلوكه التطوري
طائر الدودو هو أحد أنواع فصيلة الحماميات يبلغ ارتفاعه حوالي متر واحد وبوزن بين 10 - 20 كغ، يغطيه الريش المتدرج من الأبيض إلى الرمادي الغامق والأسود، ومنقار كبير منتفخ ورأس نصف عار وساقان قصيرتان وله أجنحة صغيرة وعيون صغيرة
كان يعيش في جزيرة موريشيوس شرقي مدغشقر في بيئة خالية من المفترسين لذا لم يكن يعرف شعور الخوف والرعب فازدهرت حياته وكان يعشش على الأرض وتبيض الأنثى بيضة واحدة ويعيش 17 عاما
كان سلوكه في بيئة مختلفة غير صالح للبقاء فلا هو يخاف ولا هو يطير ولا يتكاثر بأعداد هائلة
يتفاخر أهل الأديان بأن لديهم تنبؤات دقيقة تثبت صحة معتقداتهم وأنه لا يستطيع أحد معرفة الغيب سوى الإله الحق لذا تكون دليلا على أن دينهم هو الذي يدل على المعبود الحقيقي وبالتالي النجاة من عقوبات ما بعد الموت
سأحاول معالجة هذه القضية ونقدها=
كان التنبؤ بالمستقبل هوسا لدى الإنسان منذ العصور القديمة وتشير المعلومات إلى وجوده عند البابليين بين 2000 - 3000 ق.م
إذ كان إحدى طرق الكهنة لمعرفة نوايا الآلهة ويعد التنجيم البابلي أول نظام تنجيم متكامل مرصود ويعد البذرة الأولى للكهانة والدافع لظهور التقويم التاريخي =
وتسللت الكهانة إلى العرب فكانوا يذهبون إلى الكهان ليعرفوا ماذا يخبئ لهم المستقبل وكان بعضهم حذرا فيختبر الكاهن ليعرف صدق تنبؤاته كالقصة المشهورة لهند بنت عتبة مع زوجها الأول الفاكه بن المغيرة
ثم جاء الإسلام فقدم تفسيرا خرافيا لصدق الكهنة واحتكر الإخبار عن المستقبل أو الغيب =
هل طرح عليك متدين سؤالا يردده سمعه ولم يفقهه عن مرجعية اللاديني الأخلاقية؟
جوابي هو (الإجماع الإنساني)
ولكن لماذا أعتقد بمرجعية الإجماع الإنساني؟
وهل هي مرجعية موثوقة؟
وهل لدى المتدين ما ينقضها به؟
وهل تواجه معضلات أخلاقية؟
وهل تستطيع حل معضلات الأخلاق الدينية؟ =
لا بد أن تواجه ببغاء يسألك عن مرجعيتك الأخلاقية إذا كنت لادينيا، ويزعم أنه لا وجود للأخلاق من دون وجود الله، وقد سبق لي أن قدمت نقدا على نظرية الأمر الإلهي الأخلاقية ، لترى أن أي فلسفة أخلاقية تواجه معضلات تعجز عن حلها.=
لكن بالإمكان النظر إلى الإجماع الإنساني على الأقل، مرجعية يعتد بها، فما اتفق عليه البشر على اختلاف أزمانهم وأوطانهم وأديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، يدل على سلوك صحيح لم يتعرض للنقض، وعلى المشكك تقديم برهان التكذيب.=
يعتقد الأعم الأغلب من الناس أن ذاكرة الإنسان جهاز تسجيل، ينقل الأحداث السابقة كما وقعت، كالكاميرا وأجهزة تسجيل الصوت، إلا أن ذلك ثبت بطلانه في السنوات الخمسين الأخيرة، فثبت في عدد من الدراسات أنه من الممكن تشويه الذاكرة الحقيقية، =
بل من الممكن زرع ذكرى لم تحدث قط وحسب عالمة النفس المتخصصة بدراسة الذاكرة اليزابيث لوفتاس: "ذاكرتنا بناءة وترميمية كأنها صفحة ويكيبيديا يمكنك الدخول اليها وتغييرها، والآخرون كذلك يستطيعون".=
أشهر رواية في هذا الموضوع قصة ستيف تايتس الذي اتهمته ضحية اغتصاب بارتكاب الجريمة وقالت في المحكمة: "أنا متأكدة تمامًا أنه الفاعل"
مع أن تايتس لم يقابلها أبدا وهذا ما تبين بعد سنة حين كلف تايتس صحفي تحريات فتمكن من الوصول إلى المجرم الحقيقي الذي اعترف بجريمته وثبتت براءة تايتس. =