هل طرح عليك متدين سؤالا يردده سمعه ولم يفقهه عن مرجعية اللاديني الأخلاقية؟
جوابي هو (الإجماع الإنساني)
ولكن لماذا أعتقد بمرجعية الإجماع الإنساني؟
وهل هي مرجعية موثوقة؟
وهل لدى المتدين ما ينقضها به؟
وهل تواجه معضلات أخلاقية؟
وهل تستطيع حل معضلات الأخلاق الدينية؟ =
لا بد أن تواجه ببغاء يسألك عن مرجعيتك الأخلاقية إذا كنت لادينيا، ويزعم أنه لا وجود للأخلاق من دون وجود الله، وقد سبق لي أن قدمت نقدا على نظرية الأمر الإلهي الأخلاقية ، لترى أن أي فلسفة أخلاقية تواجه معضلات تعجز عن حلها.=
لكن بالإمكان النظر إلى الإجماع الإنساني على الأقل، مرجعية يعتد بها، فما اتفق عليه البشر على اختلاف أزمانهم وأوطانهم وأديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، يدل على سلوك صحيح لم يتعرض للنقض، وعلى المشكك تقديم برهان التكذيب.=
يعبر جون سيرل عن الإجماع الإنساني بمصطلح (الموقف التلقائي أو الموقف المهمل حسب الترجمة التي يختارها المترجم) ويعرفه بأنه "ما يقبله كل شخص آخر" أو "ما يأخذه كل شخص ... مأخذ التسليم" باستثناء الفلاسفة أثناء تأملاتهم الفلسفية، فمن المستحيل أن تصمد هذه المواقف طوال آلاف السنين، =
عبر تاريخ البشر المضني، المليء بالمحن والمفترقات الوعرة والعقبات والعثرات والنكبات، لو أنها كانت زائفة، إلا أنه يعود ويستثني بعضها من أن تكون مواقف صحيحة. (العقل واللغة والمجتمع ص 26 أو 53).=
المهم في هذا التعبير أن الإجماع الإنساني على سلوك ما قد تعرض للاختبار عبر الزمان والمكان، ووجد اتفاقا يستحيل أن يوجد بالتواطؤ، فلا تجد أمة من الأمم على مر العصور ترى الصدق سلوكا مشينا، والكذب سلوكا حميدا، وهذا سيخرجنا من النسبية الاجتماعية بتجاوز الزمان والمكان.=
لكن الإجماع الإنساني لا يكون أساسا صحيحا في كل شيء، إذ لا بد من الالتزام بحدود المعرفة الإنسانية، فلا يصح أن نطلق العنان إلى القضايا الماورائية، أو القضايا التجريبية، لأنه ثبت أن الإجماع يخفق في تحصيل المعرفة فيها، فالماورائيات خارج حدود المعرفة، والتجريبيات برهانها التجربة، =
فقد اعتقد الناس بالقوى الخارقة سواء كانت آلهة أو شياطين أو أرواح شريرة إلخ، واعتقدوا مركزية الأرض، وأنها مسطحة، وهذه قضايا إما غير مدركة، أو تتطلب التجربة، فالفرد والجماعة فيها سواء، أما قضايا السلوك والأخلاق فإنها قضايا تفاعلية بينهم، وجودها من وجودهم،=
وسواء كان بحثهم فيها منفعة أم فضيلة، فإنهم أقدر على تحديد الصالح من الفاسد منها، لأنها ليست إلا ضوابط تعاملاتهم مع بعضهم، ولا تجد لها أثرا عند الإنسان المنعزل وحده، فعلى من سيكذب؟! ولمن سيتبرع؟! ومن سوف يخون؟! إلخ.
وقد قبل ابن تيمية الإجماع الإنساني دليلا على صحة السلوك =
فقال: " العادة التي تعم بني آدم مع تباين حالهم وأديانهم واختلاف علومهم وإراداتهم لا تكون إلا عادة صحيحة" وقال في نفس السياق أيضا: "العادات العامة لجميع الأمم من أعظم العادات وأصحها وبنو آدم لا يؤتون من جهة ما اتفقوا عليه فإنهم لا يتفقون إلا على حق" (بيان تلبيس الجهمية 4\601)=
في دراسة شارك فيها مئات الأشخاص، سئلوا عن فعل صياد سمك يريد شراء سنارة صيد جديدة ستجلب له المزيد من الأسماك، ولكن سيتقلص عدد السمك في البحيرة بعد مدة، وكثير منهم اتبع أسلوب التعميم عما سيحدث إذا فعل الجميع نفس الشيء (المصدر pnas.org/content/117/42…)
في هذه الدراسة إشارة واضحة إلى الاعتداد بالإجماع الإنساني للحكم على أخلاقية الفعل، ما يذكرنا بفلسفة كانط الأخلاقية (مبدأ الواجب) الذي يجب أن يصلح لأن يكون قانون عاما.
ستبقى قضية الأفعال المختلف عليها، التي توجد عند أمة دون أخرى، وفي زمن دون زمن، =
وهذه القضايا إما ستحصل على إجماع جديد، كالموقف من قضية العبودية، وإما سنتخذ منها موقف (تعليق الحكم)، كزواج الأقارب، فإننا لا نجد مستندا لاتخاذ موقف محدد، وهذه ليست قضية شائكة، فهي قد تحصل في النهاية على إجماع إنساني، وإما ستبقى قضايا نسبية.=
في النهاية لدينا مرجعية أخلاقية تتخطى الزمان والمكان، ولا تمت بصلة للدين، مما يجعل ذلك السؤال الغبي الذي يطرحه المتدين (ما مرجعيتك الأخلاقية؟) مجرد سؤال عبثي لا معنى له، ويكفي أن نقول أنه مصادرة مثل مصادرتهم في أن الإله مصدر الأخلاق.
يعتقد الأعم الأغلب من الناس أن ذاكرة الإنسان جهاز تسجيل، ينقل الأحداث السابقة كما وقعت، كالكاميرا وأجهزة تسجيل الصوت، إلا أن ذلك ثبت بطلانه في السنوات الخمسين الأخيرة، فثبت في عدد من الدراسات أنه من الممكن تشويه الذاكرة الحقيقية، =
بل من الممكن زرع ذكرى لم تحدث قط وحسب عالمة النفس المتخصصة بدراسة الذاكرة اليزابيث لوفتاس: "ذاكرتنا بناءة وترميمية كأنها صفحة ويكيبيديا يمكنك الدخول اليها وتغييرها، والآخرون كذلك يستطيعون".=
أشهر رواية في هذا الموضوع قصة ستيف تايتس الذي اتهمته ضحية اغتصاب بارتكاب الجريمة وقالت في المحكمة: "أنا متأكدة تمامًا أنه الفاعل"
مع أن تايتس لم يقابلها أبدا وهذا ما تبين بعد سنة حين كلف تايتس صحفي تحريات فتمكن من الوصول إلى المجرم الحقيقي الذي اعترف بجريمته وثبتت براءة تايتس. =
في فلسفة المعرفة تفرض نظرية مطابقة القول للواقع أن القول لا يكون (صائبا) إلا إذا طابق الواقع، ولا تأثير لاعتقاد القائل أنه صادق، وهنا فرق بين الصواب والصدق، فالصدق متعلق باعتقاد القائل، لا بمطابقته لواقع، ولتوضيح الفرق =
الفرق تخيل توأمين زيد وعبيد وهما متشابهان تماما ما عدا أن عبيدا لديه ندب في صدغه الأيسر.
وتخيل شخصين آخرين سعد وفهد
سعد يعرف زيدا فقط،
وفهد يعرف الاثنين ويعرف كيف يفرق بينهما عن طريق الندب،
الآن تخيل أن سعدا وفهد يمشيان في طريق وصادفا زيدا=
فإذا أخبرا الخبر فسيكون الجواب:
سعد: صادفت زيدا ( صادق في اعتقاده ومخطئ في مطابقة الواقع)
فهد: صادفت عبيدا (صادق في اعتقاده ومصيب في مطابقته للواقع)
الخبر الذي نقله فهد هو ما تنص عليه نظرية المطابقة أنه صواب أو (حقيقة) لأنه مطابق للواقع.=
ينطلق الدليل من الحجة الغائية ولكن بطريقة الاستقراء المتبع في منهج الفيلسوف الشيعي محمد باقر الصدر الذي أسس له في كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) واتبع فيه نظرية الاحتمالات
الكتاب متوفر PDF = echo-najaf.blogspot.com/2020/10/blog-p…
بناء حجة الدليل ليسهل نقدها:
1 يوجد توافق هائل بين عدد كبير من الظواهر وحاجة الإنسان للحياة
2 احتمال أن توجد كل هذه الظواهر المعدة لتناسب حياة الإنسان صدفة ضئيل جدا
3 احتمال أن يكون وراءها فاعل مختار هيأ الظروف لتناسب حياة الإنسان كبير جدا 4- إذن يوجد فاعل حكيم هو الله =
سيبدأ نقد الحجة أولا بطلب البرهنة على أن الكون أعد خصيصا ليستضيف الحياة وهو ما لم يقدمه أحد
ثم نطلب البرهنة على أن الظواهر الكونية لو اختلفت لن ينتج عنها حياة بالمطلق وهو ما لا يستطيعه أحد
بهذين النقدين لا يصبح الدليل سوى فرض غير مبرهن =
هل التواتر حجة؟
تسمع كثيرا من المتدينين أن أديانهم منقولة بالتواتر وأن التواتر يدل على اليقين لكن هل هم صادقون في الدعوى والتطبيق؟
فماذا يعني التواتر؟
وهل التواتر يفيد اليقين المطابق للواقع
وهل التواتر بديهي أم نظري
وهل يقبلون كل تواتر؟
دعونا نناقش هذه القضية=
يبحث المنطق الأرسطي الصوري عن القضايا التي تفيد اليقين
ويقصد باليقين:
الاعتقاد
الجازم
المطابق للواقع
غير القابل للزوال
مثل (امتناع اجتماع النقيضين) أم القضايا العقلية الأولية
فهذه قضية صادقة صدقا دائما
فلن تجد لها في الواقع ما يكسرها أبدا
على فرض أن الإنسان يدرك الواقع كما هو =
والقضايا المتواترة في المنطق الأرسطي من اليقينيات ويشترط:
عددا كبيرا يستحيل معه اتفاقهم على الكذب
وأن يكون مستندهم على الحس
ولا يفرق المنطق بين أي متواتر من أي جهة حين تتحقق الشروط ويضفي عليه صفة اليقين بالمعنى المنطقي
أي ثبوت المحمول للموضوع ثباتا جازما دائما مطابقا للواقع =
فلسفة تعتقد أن القيم الأخلاقية معينة من وجهة نظر أحادية (ذكورية) دون أن تأخذ في حسبانها وجهة النظر الأنثوية والتجربة والخبرة الأخلاقية للمرأة
لذا يجب إعادة تقويم الأخلاق بوجهة نظر غير منحازة تشمل القيم المتعلقة بالمرأة =
الفلسفة الأخلاقية النسوية تقول إن المرأة تفكر تفكيرا مختلفا عن الرجل ولسيطرة الرجل على الميدان الفلسفي فإنه لم ينسب إلى الفضائل النسوية قيمة مستحقة وربما همشها ونزع منها القيمة وسخفها بل أدى ذلك إلى الزعم بأن النساء غير ناضجات أخلاقيا بينما يعطي قيمة أكبر للفضائل الذكورية =
فأعطى قيمة أعلى للصفات الذكورية كالاستقلال والاعتماد على النفس وشدة الحذر والسيطرة والتعالي والقتال والموت
وأعطى قيمة أقل للصفات الأنثوية كالترابط والتواصل والمشاركة والتعاطف والرعاية والعلاج والبهجة والسلام والحياة
فهل يتحتم على المرأة أن تتشبه بالرجل أخلاقيا لتكون فاضلة؟!=