يتفاخر أهل الأديان بأن لديهم تنبؤات دقيقة تثبت صحة معتقداتهم وأنه لا يستطيع أحد معرفة الغيب سوى الإله الحق لذا تكون دليلا على أن دينهم هو الذي يدل على المعبود الحقيقي وبالتالي النجاة من عقوبات ما بعد الموت
سأحاول معالجة هذه القضية ونقدها=
كان التنبؤ بالمستقبل هوسا لدى الإنسان منذ العصور القديمة وتشير المعلومات إلى وجوده عند البابليين بين 2000 - 3000 ق.م
إذ كان إحدى طرق الكهنة لمعرفة نوايا الآلهة ويعد التنجيم البابلي أول نظام تنجيم متكامل مرصود ويعد البذرة الأولى للكهانة والدافع لظهور التقويم التاريخي =
وتسللت الكهانة إلى العرب فكانوا يذهبون إلى الكهان ليعرفوا ماذا يخبئ لهم المستقبل وكان بعضهم حذرا فيختبر الكاهن ليعرف صدق تنبؤاته كالقصة المشهورة لهند بنت عتبة مع زوجها الأول الفاكه بن المغيرة
ثم جاء الإسلام فقدم تفسيرا خرافيا لصدق الكهنة واحتكر الإخبار عن المستقبل أو الغيب =
إضافة إلى تأثره بالنبوءات اليهودية والمسيحية وزعمه أنها بشرت بظهور محمد بعد المسيح كما هو مدون في القرآن.
فانبثقت ظاهرة النبوءات الإسلامية من الإرث القديم للعرب إلا أنها أصبحت تعد دليلا على صدق محمد وأنه مبعوث من الإله الحق كما يزعم اي دين آخر ومن أبرز مظاهرها الإعجاز العلمي =
لم أجد خلال بحثي السريع كتابا يحلل هذه الظاهرة تحليلا دقيقا وإنما كومة من المقالات التي قد تلتقط منها شيئا هنا أو هناك لذا أردت وضع معايير موضوعية نستطيع الحكم بها على الادعاء هل يصح أن يكون نبوءة أم لا وهل المدعي متنبئ صادق أم لا
(أرجو أن تراجعوا الشروط وتنتقدوها لتعديلها) =
مخالفة الشروط تكون بأن النبوءة غير محددة الزمان أو المكان أو الحدث وبقية الشروط الأخرى التي سأستعرضها واحدة واحدة بعد قليل
ولكن قبل ذلك يجب أن نقسم النبوءات الإسلامية خاصة إلى قسمين: 1- نبوءات يزعمون أنها تحققت في الماضي 2- نبوءات لم تتحقق بعد
وسنتعرض لهما بعد التمييز بينهما =
1- النبوءات المزعوم أنها تحققت
نستطيع ردها كلها بشرط واحد
لا نستطيع بأي حال إثبات أن إطلاق النبوءة كان قبل الحدث
كما لا نستطيع التحقق من مطابقة الخبر للواقع
ويجري عليها النقد الذي يجري على الأخبار عموما
لأن مرادنا هو اليقين وليس الخبر من مصادره
ثم لكل نبوءة نقدها المخصص لها =
2- النبوءات التي لم تتحقق
هل توجد نبوءة واحدة تحقق كل المعايير التي وضعناها؟
عندما أستعرض النبوءات أجد أنها تخل على الأقل بشرط واحد من الشروط العشرة التي سنفصل فيها ونضرب عليها أمثلة توضح لماذا لا يصح اعتبارها نبوءة حقيقية تحقق اليقين
ما عدا نبوءة واحدة سأختم بها =
الآن نستعرض الشروط 1- أن تكون النبوءة محددة الزمان
لأن أي اعتراض على عدم حصولها سيواجه بأن وقتها لم يحن بعد وهو ما استعمله محمد نفسه
حين قال له عمر: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا" قال: لا
قال: "فإنك آتيه ومطوف به" =
2- أن تكون النبوءة محددة المكان
فمن الممكن تطبيقها على أي مكان تحصل فيه وهو ما فسروا به حديث "ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم"
(18هـ -639م) وقع طاعون عمواس في بلاد الشام وعدوه تحقيقا للنبوءة
والاعتراض بأن الطاعون لو حدث في أي مكان آخر لعدوه تحقيقا لها بل بأي مسبب آخر للموت =
3- أن تكون النبوءة محددة الحدث
فمن الممكن تطبيقها على أي حدث إذا كان لفظها عاما كما في النبوءة عن عثمان بن عفان "هذا عثمان يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"
فإن كلمة بلوى يمكن تطبيقها على أحداث عديدة غير ما حدث بالفعل كفقر أو مرض أو فقد أو خيانة أو غيرها =
4- أن تكون النبوءة محددة الشخصيات
إحصائيا تزيد فرص وقوع الحدث مع عدم تحديد شخصية معينة يقع لها الحدث لذا يمكن تطبيقها على أي شخص تتوافق معه
كحديث "سيكون في ثقيف كذاب ومبير"
فجعلوا الكذاب المختار الثقفي
وجعلوا المبير الحجاج بن يوسف
ولو تشابها مع غيرهما لطوبقت عليهما أيضا =
5- أن لا تكون نبوءة محققة لذاتها
نوع من المغالطات المنطقية تدفع الناس للعمل بمقتضى النبوءة كأن يزعم اقتصادي مشهور هبوط سعر سهم ما فيسارع الناس لبيعه مما يجعله يهبط فعلا
كنبوءة فتح القسطنطينية التي جعلتها هدفا للغزوات الإسلامية ما إن تفشل غزوة حتى يبادروا لأخرى =
6- أن تكون غير قابلة لتأويل ألفاظها
فإذا تحققت كان بها وإن لم تتحقق أنقذها التأويل كالحديث "لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارا"
فإن لفظ (تعود) له معنيان: 1- ترجع 2- تصير
فتكون النبوءة احتمالية هل يقصد أنها كانت كذلك أو أنها لم تكن كذلك فتفقد قيمتها التنبؤية =
7- إثبات أن إطلاق النبوءة كان قبل الحدث
من السهل تلفيق نبوءة بعد الحدث مصممة على مقاس الحدث بالضبط محققة لجميع الشروط الأخرى ونحن نعلم بمسألة وضع الأحاديث في الإسلام كما أننا لا نستطيع التحقق من مطابقة الأخبار للواقع في النبوءات الماضية فلا يعول عليها في تحصيل اليقين =
8- أن تكون النبوءة قابلة للتكذيب
أي يوجد معيار تحقق من صحتها أي أن (أ = ب) أو (أ ≠ ب)
كحديث "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج"
فكلمة (يكثر) غير قابلة للتكذيب لأنها غير معيارية
لذا يختلفون في تفسيرها هل يقصد به هذا الزمان أم غيره لذا هي نبوءة بلا قيمة ولا تقدم أي دليل =
9- أن لا يكون حدوثها اتفاقيا
قد يصدف أن يتفق الواقع مع النبوءة مرة لذا يلزم أن يكون لدينا عدة نبوءات تمنع الاعتقاد أن اتفاق النبوءة والواقع لم يكن صدفة كما يحدث في المنهج التجريبي من اشتراط تكرر النتائج نفسها وإلا فإن احتمال الصدفة وارد مرة واحدة خصوصا مع كثرة النبوءات =
10- أن تكون غير متوقعة
لأن التنبؤ بما هو متوقع يزيد من احتمالية وقوعه كحديث "الله أكبر خربت خيبر"
فقد قالها وقد دهمهم بالجيش فجأة دون سابق إنذار ومعه الأفضلية على فرض أن هذا الحديث حصل في الواقع كما روي وهو ما لا نستطيع التحقق منه لذا لا يصح التعويل على تنبؤ متوقع =
ما النبوءة التي حققت الشروط؟
في هذا الحديث نبوءة تحقق الشروط الموضوعية على الأقل لدى المؤمنين ولكن النتيجة أن النبوءة باطلة
لذا لجؤوا إلى التأويل والمجاز للتخلص من وطأة التكذيب وهو ما يقدح بالمعايير الموضوعية التي وضعناها بأن تكون غير قابلة للتأويل
نقطة أخرى أود إضافتها ففي الإسلام نبوءات متناقضة بالشيء وعكسه فأيهما وقع كان له نبوءة مخصصة كهزيمة الروم وانتصارهم وانتشار الإسلام وانحساره مما يجعل التعويل عليها ضربا من الجهل
أرجو أن أكون حسمت موضوع النبوءات وأنا منفتح على النقد والتعديل من الجميع لتحسين المعايير
هل طرح عليك متدين سؤالا يردده سمعه ولم يفقهه عن مرجعية اللاديني الأخلاقية؟
جوابي هو (الإجماع الإنساني)
ولكن لماذا أعتقد بمرجعية الإجماع الإنساني؟
وهل هي مرجعية موثوقة؟
وهل لدى المتدين ما ينقضها به؟
وهل تواجه معضلات أخلاقية؟
وهل تستطيع حل معضلات الأخلاق الدينية؟ =
لا بد أن تواجه ببغاء يسألك عن مرجعيتك الأخلاقية إذا كنت لادينيا، ويزعم أنه لا وجود للأخلاق من دون وجود الله، وقد سبق لي أن قدمت نقدا على نظرية الأمر الإلهي الأخلاقية ، لترى أن أي فلسفة أخلاقية تواجه معضلات تعجز عن حلها.=
لكن بالإمكان النظر إلى الإجماع الإنساني على الأقل، مرجعية يعتد بها، فما اتفق عليه البشر على اختلاف أزمانهم وأوطانهم وأديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، يدل على سلوك صحيح لم يتعرض للنقض، وعلى المشكك تقديم برهان التكذيب.=
يعتقد الأعم الأغلب من الناس أن ذاكرة الإنسان جهاز تسجيل، ينقل الأحداث السابقة كما وقعت، كالكاميرا وأجهزة تسجيل الصوت، إلا أن ذلك ثبت بطلانه في السنوات الخمسين الأخيرة، فثبت في عدد من الدراسات أنه من الممكن تشويه الذاكرة الحقيقية، =
بل من الممكن زرع ذكرى لم تحدث قط وحسب عالمة النفس المتخصصة بدراسة الذاكرة اليزابيث لوفتاس: "ذاكرتنا بناءة وترميمية كأنها صفحة ويكيبيديا يمكنك الدخول اليها وتغييرها، والآخرون كذلك يستطيعون".=
أشهر رواية في هذا الموضوع قصة ستيف تايتس الذي اتهمته ضحية اغتصاب بارتكاب الجريمة وقالت في المحكمة: "أنا متأكدة تمامًا أنه الفاعل"
مع أن تايتس لم يقابلها أبدا وهذا ما تبين بعد سنة حين كلف تايتس صحفي تحريات فتمكن من الوصول إلى المجرم الحقيقي الذي اعترف بجريمته وثبتت براءة تايتس. =
في فلسفة المعرفة تفرض نظرية مطابقة القول للواقع أن القول لا يكون (صائبا) إلا إذا طابق الواقع، ولا تأثير لاعتقاد القائل أنه صادق، وهنا فرق بين الصواب والصدق، فالصدق متعلق باعتقاد القائل، لا بمطابقته لواقع، ولتوضيح الفرق =
الفرق تخيل توأمين زيد وعبيد وهما متشابهان تماما ما عدا أن عبيدا لديه ندب في صدغه الأيسر.
وتخيل شخصين آخرين سعد وفهد
سعد يعرف زيدا فقط،
وفهد يعرف الاثنين ويعرف كيف يفرق بينهما عن طريق الندب،
الآن تخيل أن سعدا وفهد يمشيان في طريق وصادفا زيدا=
فإذا أخبرا الخبر فسيكون الجواب:
سعد: صادفت زيدا ( صادق في اعتقاده ومخطئ في مطابقة الواقع)
فهد: صادفت عبيدا (صادق في اعتقاده ومصيب في مطابقته للواقع)
الخبر الذي نقله فهد هو ما تنص عليه نظرية المطابقة أنه صواب أو (حقيقة) لأنه مطابق للواقع.=
ينطلق الدليل من الحجة الغائية ولكن بطريقة الاستقراء المتبع في منهج الفيلسوف الشيعي محمد باقر الصدر الذي أسس له في كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء) واتبع فيه نظرية الاحتمالات
الكتاب متوفر PDF = echo-najaf.blogspot.com/2020/10/blog-p…
بناء حجة الدليل ليسهل نقدها:
1 يوجد توافق هائل بين عدد كبير من الظواهر وحاجة الإنسان للحياة
2 احتمال أن توجد كل هذه الظواهر المعدة لتناسب حياة الإنسان صدفة ضئيل جدا
3 احتمال أن يكون وراءها فاعل مختار هيأ الظروف لتناسب حياة الإنسان كبير جدا 4- إذن يوجد فاعل حكيم هو الله =
سيبدأ نقد الحجة أولا بطلب البرهنة على أن الكون أعد خصيصا ليستضيف الحياة وهو ما لم يقدمه أحد
ثم نطلب البرهنة على أن الظواهر الكونية لو اختلفت لن ينتج عنها حياة بالمطلق وهو ما لا يستطيعه أحد
بهذين النقدين لا يصبح الدليل سوى فرض غير مبرهن =
هل التواتر حجة؟
تسمع كثيرا من المتدينين أن أديانهم منقولة بالتواتر وأن التواتر يدل على اليقين لكن هل هم صادقون في الدعوى والتطبيق؟
فماذا يعني التواتر؟
وهل التواتر يفيد اليقين المطابق للواقع
وهل التواتر بديهي أم نظري
وهل يقبلون كل تواتر؟
دعونا نناقش هذه القضية=
يبحث المنطق الأرسطي الصوري عن القضايا التي تفيد اليقين
ويقصد باليقين:
الاعتقاد
الجازم
المطابق للواقع
غير القابل للزوال
مثل (امتناع اجتماع النقيضين) أم القضايا العقلية الأولية
فهذه قضية صادقة صدقا دائما
فلن تجد لها في الواقع ما يكسرها أبدا
على فرض أن الإنسان يدرك الواقع كما هو =
والقضايا المتواترة في المنطق الأرسطي من اليقينيات ويشترط:
عددا كبيرا يستحيل معه اتفاقهم على الكذب
وأن يكون مستندهم على الحس
ولا يفرق المنطق بين أي متواتر من أي جهة حين تتحقق الشروط ويضفي عليه صفة اليقين بالمعنى المنطقي
أي ثبوت المحمول للموضوع ثباتا جازما دائما مطابقا للواقع =