خواطر حول "الدعم" المزعوم
1
ليس هناك استفزاز ايديولوجي اكبر من حملة شيطنة "الدعم" الجارية. ليس لان "الدعم" المزعوم جيد ونافع، او لانه موجود بالفعل. بل لان هذه الحملة المحمومة تقدّمه على انه "السوس الذي ينخر الضرس"، في حين انه احد مضاعفات الالتهاب المزمن وانهيار الضرس نفسه.
2
تفرض هذه الحملة مقاربة "نيوليبرالية": تريد تحرير الاسعار كليا او جزئيا، فورا او تدريجيا، في ظل سوق داخلية احتكارية ونقص حاد لعرض الدولار وتزاحم شديد عليه، وفي ظل انهيار نقدي وافلاس مصرفي وكساد اقتصادي طويل المدى وبطالة مرتفعة واجور متهاوية وافقار واسع لاكثرية السكان.
3
لا تقيم هذه الحملة اي اعتبار لاوضاع اكثرية السكان. جلّ ما تسعى اليه هو التهييج ضد "الدعم" المزعوم وتطبيق مبدأ "الصدمة"، او "جعل المستحيل سياسيا لا مفر منه سياسيا" وفق تعبير ميلتون فريدمان. ولذلك لا تهتم ابدا بتقديم اي اجابة على اسئلة اليوم التالي بعد الغاء "الدعم".
4
تحرض الحملة المودعين ضد "الدعم" بوصفه المزراب الذي يهدر ودائعهم، وتحاول اقناعهم ان الدولارات المتبقية في عهدة مصرف لبنان هي لهم، وانهم سيحصلون عليها اذا توقف استعمالها لتمويل واردات القمح والمحروقات والدواء وبعض السلع الغذائية والاستهلاكية والسلع الوسيطة. فهل هذا صحيح؟
5
ليس كل المنخرطين في الحملة ضد "الدعم" حمقى. البعض يعلم جيدا حجم "الكارثة" التي يدعو اليها. وجميعهم يدركون ان اكثر من 99% من اصحاب الحسابات، لن يحصلوا على سنت واحد من الدولارات المتبقية، بل سيحصل عليها الاقوى والاكثر نفوذا وحيلة، كما حصل عليها في السابق ويحصل عليها الآن.
6
اعلن وزير المال غازي وزني قبل ايام قليلة ان مجمل الدولارات المتبقية لدى البنك المركزي لا تتجاوز 15.8 مليار دولار. وان 15 مليار دولار منها غير قابلة للاستعمال بحجّة انها تمثل "التوظيفات الالزامية" المفروضة على المصارف بنسبة 15% من الودائع بالعملات الاجنبية.
7
من المفيد التذكير دائما ان المصارف توظّف اكثر من 75 مليار دولار من الودائع بالعملات الاجنبية في مصرف لبنان، وبالتالي لا يتعلّق الامر بـ"التوظيفات الالزامية" فقط، بل بنحو 60 مليار دولار انفقها البنك المركزي حتى الآن وتم السطو عليها عبر المخطط الاحتيالي المعروف.
8
منذ اشهر قليلة كان يتردد على السنة المعنيين ان "التوظيفات الالزامية" تبلغ 17.9 مليار دولار، اي انها انخفضت بقيمة تصل الى 3 مليار دولار في الفترة الاخيرة، وهذا يفترض ان يعكس انخفاضا في الودائع بالعملات الاجنبية الخاضعة للتوظيفات الالزامية بنحو 20 مليار دولار.
9
ليسأل اكثرية المودعين انفسهم: هل حصل اي منهم على سنت واحد في هذه الفترة؟ ام انهم حصلوا على قصّة شعر معتبرة، عبر اجبارهم على السحب بالليرة من ودائع بالعملات الاجنبية على سعر 3900 ليرة للدولار، اي بخسارة ثلثي القيمة الشرائية لودائعهم.
10
وفقا لاحصاءات مصرف لبنان، انخفضت موجوداته بالعملات الاجنبية (من دون الذهب) بقيمة 13.1 مليار دولار في 2020، الا ان 4.5 مليار دولار فقط تم استعمالها في "الدعم" المزعوم، اي ان ثلثي النزف لا علاقة له بهذا "الدعم" بل بعمليات اخرى اهمها تهريب جزء من الودائع والارباح الى الخارج.
11
على عكس مزاعم الحملة، فالمفاضلة ليست بين استعمال الدولارات المتبقية للدعم المزعوم وبين ردّها الى المودعين. بل هي بين المتزاحمين للاستحواذ الدولارات المتبقية. فـ"الدعم" المزعوم ليس دعما بالمعنى الكلاسيكي وانما هو بمثابة اجراء اضطراري لضمان الامدادات الضرورية.
12
لم يكن "الدعم" المزعوم وليد سياسة حكومية من اي نوع، وانما كان نتيجة تمادي حالة "نقص الدولار". وبالتالي الغاء الدعم او تخفيضه لا يعالج حالة النقص بل يفاقمها، ولا سيما اذا حصل ذلك في ظل استمرار ممانعة فرض اي ضوابط نظامية على حركة راس المال عبر الحدود.
13
في العام الماضي، احتجنا الى 11 مليار دولار لتمويل الاستيراد. وموّل البنك المركزي 40% من هذا الطلب، الا ان التزاحم على الدولار في السوق ساهم بوصول سعر الصرف في الشهر الماضي الى 15 الف ليرة للدولار. فما هو السعر الذي ستبلغه الليرة في حال جرى تمويل الطلب كلّه من السوق؟
14
يبشّرنا وزير المال بتقليص قائمة الاصناف المدعومة من 300 سلعة إلى 100سلعة، وبتخفيض دعم الوقود والأدوية، بهدف خفض الإنفاق من الدولارات المتبقية لدى البنك المركزي من 6 مليار دولار متوقعة في هذا العام إلى النصف!
15
لا يشرح وزير المال من اين سياتي البنك المركزي بالمليارات الثلاثة المطلوبة لما سيتبقى من "دعم" مزعوم. اليس المصدر الوحيد المتاح حتى الآن هو "التوظيفات الالزامية"؟ واليس هذا دليل اضافي على ان الغاء الدعم لا علاقة له بحقوق المودعين.
16
ان الحديث عن مدفوعات نقدية بالليرة الى الاسر الاكثر فقرا هو خداع كامل، ليس لان القيمة الشرائية للبطاقة العتيدة ستتهاوى وهي لن تعوّض اصلا ارتفاع الاسعار وفقدان الدخل، بل لانها لا تعالج حالة "نقص الدولار"، وبالتالي لا تضمن الحصول على الامدادات الضرورية.
17
تقدّم بيانات ادارة الاحصاء المركزي صورا جزئية عن اليوم التالي لالغاء الدعم او تخفيضه. فمؤشر اسعار الاستهلاك ارتفع بنسبة 145.8% كمتوسط عام في 2020. الا ان اسعار االتجهيزات المنزلية والثياب ارتفعت ما بين 600% و655%، وهذه النسب تعكس ارتفاع الاسعار من دون تأثير"الدعم" المزعوم.
18
الاسرة التي كانت ميزانيتها مليون ليرة في 2019 باتت تحتاج الى اكثر من مليونين و450 الف ليرة في 2020، وكانت ستحتاج الى اكثر من 7 ملايين ليرة للسلة الاستهلاكية نفسها، لو ان جميع اسعار السلع والخدمات تبعت منحى ارتفاع اسعار التجهيزات المنزلية والثياب وسعر الصرف في السوق الحقيقية.
19
ثلاثة ارباع الاسر في لبنان كان دخلها الشهري في 2019 ادنى من مليونين و400 الف ليرة، وكان دخل اكثر من ثلث الاسر ادنى من مليون ليرة، وهذا يعني ان اكثرية الاسر أُجبرت على تخفيض استهلاكها الى مستويات بائسة جدا على الرغم من "الدعم" المزعوم، فكيف من دونه؟ واي تضحيات اكثر مطلوبة؟.
20
ليس اسعار السلع "المدعومة" ستحلّق عاليا، بل اسعار كل شيء من دون استثناء، بما فيها اكلاف الانتاج والنقل والطاقة والصحة والتعليم والسكن، في حين ان امدادات السلع والخدمات لن تكون مضمونة... وسينهار القطاع العام كليا وستفلس الصناديق الضامنة كلها.

• • •

Missing some Tweet in this thread? You can try to force a refresh
 

Keep Current with mohammad zbeeb

mohammad zbeeb Profile picture

Stay in touch and get notified when new unrolls are available from this author!

Read all threads

This Thread may be Removed Anytime!

PDF

Twitter may remove this content at anytime! Save it as PDF for later use!

Try unrolling a thread yourself!

how to unroll video
  1. Follow @ThreadReaderApp to mention us!

  2. From a Twitter thread mention us with a keyword "unroll"
@threadreaderapp unroll

Practice here first or read more on our help page!

More from @mzbeeb

10 Jan
(1/13)
في الشهر الماضي، اطلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "هندسة مالية" جديدة للمصارف. هذا ملخصها:
(2/13)
أ- عرض مصرف لبنان على المصارف بيعها الدولار بسعر 1514 ليرة. على ان يحتفظ بحق اختياري لاعادة شراء هذه الدولارات في المستقبل(call option) بسعر المنصة (حاليا 3900 ليرة ويمكن ان يرتفع). اي ان المصارف ستجني ربحا بقيمة 2386 ليرة على كل دولار من هذا الشق من العملية فقط.
(3/13)
ب- في مقابل الدولارات التي يبيعها للمصارف، يقوم مصرف لبنان بحسم شهادات ايداع مصدرة منه او توظيفات لاجل بقيمة مساوية بالليرة اللبنانية وبسعر القسيمة الاصلي زائدا 1%، على ان يكون متوسط استحقاقات الادوات المالية المحسومة نحو 15 سنة.
Read 13 tweets
10 Dec 20
عن ما يسمّى "دعم":
1-لنتذكر دائما اننا حتى الآن، وعلى الرغم من كل ما حصل ويحصل، لا نعرف حقا كمية الدولارات الحقيقية التي ما زالت موجودة في عهدة البنك المركزي. لذلك ليس امامنا خيار سوى اللجوء الى الارقام التي يعلنها رياض سلامة مع معرفتنا المسبقة انها غير صحيحة.
2-تخبرنا هذه الارقام ان موجودات العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان انخفضت من 29.5 مليار دولار في بداية هذا العام الى 17.6 مليار دولار في هذا الشهر، اي ان مصرف لبنان انفق في هذه الفترة نحو 11.9 مليار دولار من الدولارات الموضوعة في عهدته.
3-يزعم رياض سلامة ان 4.5 مليار دولار من الدولارات التي فقدها مصرف لبنان تم استعمالها لتمويل 85% من مستوردات المحروقات والدواء والقمح على سعر الصرف الثابت الرسمي (1507.50 ليرة وسطيا) و"السلة الغذائية" على سعر المنصة (3900 ليرة).
Read 18 tweets
23 Nov 20
عن اساطير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان.

1- ليس صحيحا ان التدقيق الجنائي في مصرف لبنان هو "شرط" مفروض من الخارج. لا صندوق النقد الدولي طالب به. ولا "المبادرة الفرنسية" تضمنته في صيغتها الاخيرة! ولا الادارة الاميركية تحتاج اليه في ما يخصها ويخص عقوباتها.
2- ما تحتاج اليه الادارة الاميركية هو "وجود حاكم لمصرف لبنان تثق به ويمكنه أن يتبادل معها المعلومات الحساسة والسرية حول تمويل الإرهاب وتبييض الأموال". وفق ما قاله مارشال بيلنغسلي في 10 نيسان/ ابريل 2019، وجزم حينها: "انه يثق بالحاكم رياض سلامه ونائب الحاكم محمد بعاصيري".
3- اما صندوق النقد فيطالب بـ"تدقيق محاسبي ومالي" لميزانية مصرف لبنان "من أجل تقييم أصوله والتزاماته". وقال جيري رايس: "أن هذا التدقيق سيساعد على تقييم تمويل البنك المركزي للحكومة والهندسة المالية التي كان ينتهجها، وهما عنصران مهمان لفهم الخسائر المتكبدة في السابق".
Read 20 tweets
27 Oct 20
وصف حالة نظام بائد (2)

نشر صندوق النقد الدولي تحديثات جديدة لتقديراته وتوقعاته حول اوضاع اقتصادات الدول الاعضاء، ومنها لبنان.
فيما يلي 4 رسوم بيانية تبين ان الحلول التقنية المطروحة لن تجدي نفعا ما لم تقترن بتغيير بنيوي في الاقتصاد السياسي يهدف الى انقاذ الاقتصاد والمجتمع.
1- يظهر ان مجمل الناتج المحلي سجّل في هذا العام انكماشا حادّا بنسبة 25%، وانخفض دفعة واحدة من 52.5 مليار دولار في عام 2019 الى 18.7 مليار دولار في عام 2020، وبات يساوي اليوم ثلث قيمته (تقريبا) في عام 2018. وعاد الى مستواه في عام 2002، وخسر 18 عاما من النمو الاقتصادي المزعوم.
2- يعتمد الصندوق على تقديرات الامم المتحدة لعدد السكان في لبنان البالغ نحو 6.8 مليون نسمة.ويستنتج ان متوسط حصة الفرد من مجمل الناتج المحلي انخفضت بحدّة من 7660 دولارا في العام الماضي الى 2740 دولار، اي انه عاد الى مستواه في عام 1994 قبل 26 عاما.
Read 4 tweets
25 Oct 20
وصف حالة نظام بائد

(1/11)
تخبرنا الوقائع الماثلة اليوم ان:
- النظام المصرفي في لبنان مفلس برمته،
- ونظام الائتمان الذي يصعب تخيّل نظام رأسمالي يعمل من دونه معطّل بالكامل،
- ونظام حرّية تحويل رأس المال الذي تأسس عليه النظام الليبرالي اللبناني تاريخيا معلّق الى اجل غير مسمى،
(2/11)
- نظام سعر الصرف الثابت منهار ولم يتبق منه غير الركام واسعار الدولار الكثيرة.
- ونظام حرية التجارة مقيّد بالسياسات النقدية والمالية الانكماشية.
- نظام الاقتصاد الحر والملكية الخاصة مهشّم بفعل مصادرة الودائع من قبل المصرفيين والاستيلاء عليها ورفضهم تحمّل اي خسارة،
(3/11)
- ونظام الدفع متوقف ويكاد يقتصر على الكاش واشكال الدفع البدائية،
- ونظام السرية المصرفية لم يعد مرادفا الا للجريمة وهو ينازع تحت الضغوط الخارجية.
Read 11 tweets
22 Oct 20
1/4
وزّعت جمعية المصارف هذا التعميم (الصور المرفقة) على المدراء العامين في المصارف، وهو يتضمن جواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مراسلات الجمعية في شأن "توضيح" التعميم 154،
2/4
يقول جواب سلامة بوضوح: "ان موجب الحث مرتبط بان يكوّن كل مصرف حسابا خارجيا لا يقل عن 3% من مجموع الودائع لديه بالعملات الاجنبية". و"ان عدم قيام المعنيين بتحويل ما يحثهم عليه لا يشكّل جرما جزائيا يعاقب عليه المصارف او المعنيين عملا باحكام القانون 44 (مكافحة تبييض الاموال".
3/4
للتذكير: يقضي التعميم 154 بـ"حث" كل من قام (اعتبارا من 1/72017) بتحويل اكثر من 500 الف دولار الى الخارج على إعادة 15% من تحويلاته، وترتفع النسبة الى 30% اذا كانت التحويلات لرؤوساء واعضاء مجالس الادارة وكبار المساهمين والمديرين في المصارف والأشخاص المعرّضين سياسياً (PEPs).
Read 4 tweets

Did Thread Reader help you today?

Support us! We are indie developers!


This site is made by just two indie developers on a laptop doing marketing, support and development! Read more about the story.

Become a Premium Member ($3/month or $30/year) and get exclusive features!

Become Premium

Too expensive? Make a small donation by buying us coffee ($5) or help with server cost ($10)

Donate via Paypal Become our Patreon

Thank you for your support!

Follow Us on Twitter!