هذه الفقرة من كتاب "القضية الفلسطينية" للدكتور محسن صالح. وهو من الكتب التأسيسية لمن أراد أن يقرأ عن القضية الفلسطينية.
وجدتُ في هذه الفقرة فرصة مناسبة للإشارة إلى معنى مهم، أتوقع أن الحدث الحالي يجعل فرصة وصوله للعقول أسرع وأوضح.
يتصور الناس أن القانون تضعه السلطة لتنظيم عمل
المجتمع ولئلا يأكل القوي الضعيف. هذا الظنّ -إن صح- ليس إلا شيئا هامشيا بسيطا من أهداف القانون.
الغرض الأساسي للقانون الذي تضعه أي سلطة هو إخضاع الناس لها، بحيث تكون مخالفة السلطة ليست رأيا ووجهة نظر وعملا يحتمل القبول، بل تكون اعتداءا على "مقدس، ومحترم" وهو "القانون".
الوظيفة الأولى للقانون هو شرعنة الوضع الذي وصل إليه القوي، مهما كان وصوله إلى هذا الوضع دمويا ولا أخلاقيا.
البيان رقم 1 هو البيان الذي يجعل القانون السابق لاغيا، ويجعل الاعتراض على الوضع الجديد عملا غير مشروع. وبه تتبدل الأوضاع القانونية، فيصير ما كان مشروعا بالامس مجرما اليوم،
وما كان مجرما بالأمس مشروعا اليوم.
ووفقا لهذا البيان يوضع دستور جديد، يجعل من رغبات السلطة الجديدة وضعا قانونيا، ويجعل من خصومها خارجين عن القانون!
والسلطة الذكية هي التي تصنع مسالك الاعتراض عليها، لتجعلها قانونية، لا يكون غرضها بهذا أن تهدد نفسها ولا أن تفتح أبواب التمرد عليها
بل غرضها أن تجعل مسالك الاعتراض عليها تحت السيطرة، فتحتوي بذلك خصومها وتشل فاعليتهم.
هذه الفقرة التي ترى صورتها هي تحليل بديع وبسيط لطريقة الإنجليز في احتلالهم.. إنه إجرام مصبوغ بالقانون، وقانون مشبع بالجريمة، مشهد يسر البلهاء ويغر المغفلين.
ومن هنا نفهم لماذا
يعمل القانون بكفاءة في حالة التمكن والاستقرار، أي تمكن السلطة واستقرارها، ولماذا تقبل السلطة بمساحة ما لاستقلال القضاء، ولماذا تقبل ببعض الخسائر من نفسها ومالها، ذلك إنها تفعل هذا كله لكي لا ينفرط قانون الإخضاع والسيطرة، تفعل هذا لكي تحفظ بقاء القانون كمعنى مقدس.
أما إذا شعرت
السلطة بتهديد حقيقي، فإنها لا تتردد في أن تعصف بالقانون، فتلغيه وتعطله، وتعلن حالة الطوارئ (راجع في هذا كتاب: اللاهوت السياسي لكارل شميت، وكتاب: حالة الاستثناء لجورجيو أغامبين)
ولذلك تتمثل عظمة الإسلام في أن شريعته لم تضعها سلطة، بل نزلت من السماء، لم يخترعها حاكم بل يُلزم
الحاكم بها، لا يستطيع حاكم تغييرها وتبديلها إذ هي نص مقدس كما أنها نص معصوم.
ومن أهم آثار هذا الفارق أن المسلم يكافح دائما انحراف القانون عن الشريعة، ولا يقبل الخضوع لقانون لم يستمد منها.. وتلك هي معضلة الغرب والأنظمة المستبدة مع المسلمين، فالمسلمون حريصون دائما على تفعيل
الإسلام في حياتهم، وهم يكافحون تعطيله وإقصاءه، وليس لديهم شيء مقدس اسمه "قانون" يمكن من خلاله إخضاعهم.
هذه معضلة حقيقية يواجهها الغرب والطغاة في تعاملهم مع المسلمين، ولذلك يلتمسون لأنفسهم غلالة دينية يتسترون بها، يضيفها عليهم ثلة من علماء السوء.. ومع ذلك فدائما ما يفشلون، ويتلطخ
معهم علماء السوء!!
إن المطالبين بالشريعة والمنادين بالإسلام هم محرري البشرية وأعداء الظالمين المستكبرين، وهم حملة لواء العدل.. هم الذين عبر عنهم ربعي بن عامر بقوله "الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان
إلى عدل الإسلام".
أما أولئك الذين يخضعون لقوانين الطغاة والمحتلين، فإنهم إن لم يكونوا عملاء وخونة، فإنهم سيعيشون ويموتون وهم يدورون في أروقة المحاكم المحلية والدولية، وفي أروقة المنظمات الحقوقية والإنسانية، كالثور في الساقية، يدور ويدور ويدور.. والمكان الذي انتهى إليه هو المكان
الذي بدأ منه!!
تحية لكل من يخرج عن القانون الظالم الذي وضعه الظالم.. أولئك هم من يغيرون التاريخ، ويستعيدون الحقوق، ويحررون البشر.. أولئك هم عباد الله حقا!
• • •
Missing some Tweet in this thread? You can try to
force a refresh
أحب لكل حركة مقاومة أن تتحلى بعقل رشيد ولسان فصيح منضبط متزن.
ولأن هذا أمر صعبٌ في نفسه، وهو أكثر صعوبة وعسرا عند الاستضعاف والحصار وقلة النصير. فإني أحب لكل من يؤيد المقاومة أن يفهم معنى الإعذار ومعنى الإكراه ومعنى الضرورة.
وأنفر وأحزن من كل مثالي يحب أن يموت مرسي في سجنه على
أن يحيا متمكنا وفي تاريخه تصريحات سيئة ومواقف مشينة (من وجهة نظره)!
ومن وجد في تاريخ المقاومة الإسلامية في العصر الحديث (عصر الاستضعاف) حركة لم تضطر أن تتحالف مع عدو عدوها، فليخبر بها.. فإن هذا لم يكن!!
وأكثر من يوصفون بالنقاء العقدي والمنهجي، حين نزلوا إلى معترك الواقع،
تعاونوا مضطرين مع أعدائهم المؤجلين ضد العدو الأخطر العاجل!
ويجب التفريق بين حركة تحقق إنجازا وصعودا، وبين حركة لا تحقق شيئا أو تتراجع وتنزوي.. فالأولى يُطال في الإعذار لها ويوسع في حسن الظن بها، وأما الثانية فلا.
ومن الخطير المدمر لكل فكرة مقاومة ولكل حركة مقاومة أن تخضع للخطوط
كان مبارك الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، كما وصفه إسرائيليون، وكان يسمح لإعلامه ومشايخه ومنافقيه أن يهاجموا إسرائيل هجوما شرسا لاذعا! وكان من أشهر ألسنة مبارك أحمد عمر هاشم الذي كان رئيسا لجامعة الأزهر دهرا من الزمن، وكان عضوا معينا بالبرلمان،
فإذا حان وقت التجديد لمبارك أو التمديد لقانون الطوارئ رأيت أحمد عمر هاشم يسل لسانه الفصيح في تأييد مبارك وتمديد الطوارئ.
وأما الملك حسين، ملك الأردن، فرغم كل ما كان معروفا عن عائلته، ورغم كل ما عُرِف عنه فيما بعد، إلا أنه كان مثالا لنموذج الملك العربي، ولقد قام بدور خطير جدا
أيام حرب الخليج الثانية حين كادت تنفلت الطاقة الفلسطينية والأردنية ضد إسرائيل، فأدى تمثيلية خطيرة تصنع بها أنه مع العراق فاستطاع اعتقال الطاقة الشعبية أن تنفلت منه، ثم نكص على عقبيه بمجرد أن بدأ الهجوم الأمريكي على العراق.. ثم من ذا ينسى موقفه "الشهم" بعد محاولة اغتيال خالد مشعل
إذا أردت أن تسمع كلاما مفيدا في شأن القدس والأقصى فسأخبرك بهذه الخلاصة:
كل الطرق المتاحة لتحرير الأقصى غير قانونية ولا شرعية بمفهوم القوانين المحلية والقانون الدولي والنظام العالمي!
وكل الطرق المتاحة قانونيا ودوليا هي طرق بلهاء سفيهة تافهة لن توصلك إلى التحرير ولو بعد ألف سنة!
فإذا كنتَ صادقا في الرغبة لتحريره، فاعلم أنك ستكون خارج القانون، ضد النظام، ربما تتحول إلى سجين أو مطارد أو مطلوب للسلطات في بلدك أو للانتربول الدولي!
واعلم أن مفاتيح تحرير الأقصى في القاهرة ودمشق وعمان ورام الله والرياض وأبو ظبي، والمعركة في هذه العواصم أشد شراسة وعنفا وجحيما
لسبب بسيط: أن العملاء الذين يحكمون هذه العواصم يُضَيِّعون وضوح الصورة، ويستعملون أموال الأمة ومواردها وأبناءها وعلماءها في تشويه الحقيقة وتغييب الجمهور، وفي حرب كل من يعمل على تحرير الأقصى باعتبارهم خطرا على الأوطان واستقرارها.
يبدو أن ردة الفعل كانت عاتية على السويدان، حتى اضطر للانحناء أمام العاصفة، وكتب منشورا استعمل فيه مهاراته في التلوّن، وتلك عادته!! بل لقد أخرج من جعبته كتابا كتبه في السبعينات، يوم كان يكاد يكون سلفيّا قُحا، حتى إن زملاءه في الدراسة بأمريكا يروون عنه عجائب لا يصدقها من يعرفه الآن
بعيدا الآن عن السويدان نفسه..
وبعيدا كذلك عن أن مشكلة السويدان لم تكن منشوريْه اللذيْن كتبهما في الأيام الماضية، إذ سيرته في السنوات العشرين السابقة على الأقل طافحة بالمشكلات والتصورات..
بعيدا عن هذا كله، سأحاول أن أخبرك بأمرٍ ينفعك في تقييم حال المنتسبين إلى العلم والدعوة..
إن بعض الناس تخرج من درسه أو كتابه وقد امتلأت نفسك بهمّ الإسلام، وازددت به إيمانا، وزاد في قلبك بغض الكفر والظلم والجاهلية، وربما بعث فيك الحماسة للعمل في سبيل الدين.
ولكن بعض الناس تخرج من درسه أو كتابه، وقد امتلأت نفسك ببغض التشدد والمتشددين، وشعرت بهمّ إيجاد تفسير جديد
لماذا لن يحتفي السيسي بفتح مصر أو بالمخطوطات الإسلامية أو بآثار المماليك؟.. لماذا الاحتفال حصرا بالآثار الفرعونية؟!
هذا مقتطف من مقال قديم:
"في نظريته الشهيرة "الجماعات المتخيلة" يتحدث عالم الاجتماع الشهير بندكت أندرسون عن أن هذه الهويات التي تشكلت في العالم الحديث ليست سوى هويات
"مُتَخَيَّلة"، ذلك أنها غير مستمدة من أي حقيقة طبيعية كالدين واللغة والعرق، وإنما هي مصنوعة بأدوات السلطة، والمختصر الموجز لنظريته يفيد بأن السلطة التي امتلكت وسائل مثل الإعلام والجهاز الإداري تمكنت بهذا من أن تصنع هوية للذين تحكمهم، فهي قد صنعت الحدود التي تفصل بين الناس فيكون
من بداخل هذه الحدود مواطنا ورعية لها، تقدم له خطابا إعلاميا يُرَسِّخ هذه الهوية عبر وسيلة الإعلام (منذ الطباعة وحتى التليفزيون) وعبر الإحصاء وعبر المتحف.
ما يهمنا في سياقنا الآن: الإعلام والمتحف، وسنبدأ بالمتحف لأنه الوسيلة التي تعاملت حصرا مع التاريخ، ومن هنا فلقد كان المتحف هو
صورة ميدان التحرير بالأمس، وقد أخذ زخرفه وزينته استعدادا لموكب نقل المومياوات؟!
أم ميدان التحرير نفسه وهو ممتلئ بشباب الثورة، وقد علاهم الغبار وغرقوا في عرقهم وتلطخوا بجراحاتهم؟!
الصورة الأولى تُخْبِر عن سلطة قاهرة مُتَمَكِّنة ذات مال وسطوة ونفوذ وزينة وزخارف،
ولا تخبر عما خلفها من شعب مقهور مطحون مسحوق يعاني من الفقر والجوع والمرض والظلم.
والصورة الثانية تدلّ على شعب يثور، يكافح ليظفر بالتحرر، يشعر في هذا الميدان بالأمن وبالأمل، مع أنه ميدانٌ مُعَفَّر مُغَبَّر تنتشر فيه روائح حريق بعض المركبات وتتناثر على جانبيه الحجارة المُكَسَّرة!!
لا أشك أن هاتين الصورتيْن مثالٌ جديدة سأستخدمه في بيان المعنى الذي طالما احتجت إلى كتابته وشرحه..
المعنى الذي يقول إن العصر الذهبي لأمتنا الإسلامية هو عصر الخلافة الراشدة.. لا هو عصر الأمويين ولا العباسيين ولا العثمانيين!