أحب لكل حركة مقاومة أن تتحلى بعقل رشيد ولسان فصيح منضبط متزن.
ولأن هذا أمر صعبٌ في نفسه، وهو أكثر صعوبة وعسرا عند الاستضعاف والحصار وقلة النصير. فإني أحب لكل من يؤيد المقاومة أن يفهم معنى الإعذار ومعنى الإكراه ومعنى الضرورة.
وأنفر وأحزن من كل مثالي يحب أن يموت مرسي في سجنه على
أن يحيا متمكنا وفي تاريخه تصريحات سيئة ومواقف مشينة (من وجهة نظره)!
ومن وجد في تاريخ المقاومة الإسلامية في العصر الحديث (عصر الاستضعاف) حركة لم تضطر أن تتحالف مع عدو عدوها، فليخبر بها.. فإن هذا لم يكن!!
وأكثر من يوصفون بالنقاء العقدي والمنهجي، حين نزلوا إلى معترك الواقع،
تعاونوا مضطرين مع أعدائهم المؤجلين ضد العدو الأخطر العاجل!
ويجب التفريق بين حركة تحقق إنجازا وصعودا، وبين حركة لا تحقق شيئا أو تتراجع وتنزوي.. فالأولى يُطال في الإعذار لها ويوسع في حسن الظن بها، وأما الثانية فلا.
ومن الخطير المدمر لكل فكرة مقاومة ولكل حركة مقاومة أن تخضع للخطوط
الحمراء التي يضعها لها جمهور عاطفي متحمس، ففي هذا هلاكها المحتم!!
ولئن عاشت الحركة قوية عزيزة بين جمهور بعضه يشتط عليها ويسبها، خير لها من أن تحيا في سجون عدوها وعلى مشانقه حتى لو كان الجمهور سيتحسر عليها ويبكي أيامها! مع أن التجربة تقول بأن الحركة المهزومة لن تجد جمهورا يتحسر
عليها ويبكي أيامها بل الجمهور سيشرب رواية المنتصر ويتناقل عيوب الحركة المهزومة.
ومع كل ما سبق فلا بد من أن يقال أيضا: إن الجمهور -مهما كان عاطفيا ومتحمسا- فإنه درع وركن وراء الحركة يجب أن تحسن سياسته، وألا تصدمه بما لا يفهم، فإنها بهذا تحمله ما لا يطيق.. وهذا الجمهور هو عدتها
الذي تحتمي به أمام حلفائها وأعدائها فلا تسرف في التنازلات!
ولا بد أن يُقال أيضا: بأن الهجوم على الأخطاء -وإن تجاوز الحد أحيانا- مفيد جدا في لجم المواقف الشاذة والاندفاعات التي تصدر من حركة المقاومة، ولولا هؤلاء لصار الشذوذ والاندفاع هو الأصل والحكمة.. فأن يوجد جمهور يضايق حركة
المقاومة ويلجمها ويجبرها على ضبط مواقفها وتصريحاتها خير لها ولهم من قادة لا يُسألون عما يفعلون!!
ثم لا بد من كلمة يجب أن يعقلها العقلاء، ولن يفهمها العاطفيون والسذج، ومن لا خبرة لهم بالناس والحياة..
إن الإنسان ابن بيئته وابن تجربته، وهو أسير الإحسان مهما كان.. ولن يكون ابن مصر
كابن العراق كابن سوريا مهما حصل.. بل لن يكون ابن غزة كابن الضفة كابن الداخل كابن الشتات مهما حصل!
والذي رأى من الإيرانيين وجها حسنا ودعما ثمينا في حال انعدام النصير فلابد أنه سيتأثر بهم وحتما.. مهما نفى هو أو مهما نفى أصحابه.. تلك طبيعة البشر التي لا ينفلتون منها!!
وعلم الله
أني كنت أقول منذ سنين طويلة: لا بد أن يتشيع بعض القادة في حماس سياسيا أو حتى مذهبيا، مهما كانوا قلة.. ولا بد أن ينتمي بعض كتائب القسام لداعش في سيناء، مهما كانوا قلة.. ولو استمر الإخوان في الحكم لتعلمن بعض قادتهم مهما قلوا.. تلك طبيعة البشر التي لن تتغير!
وكان قولي هذا يُقابل
بالسخرية، أو الغضب، ولم تكن سخريتهم ولا غضبهم يزعجني.
ولو أن المصريين أبدوا وجها وطنيا وحبكوا تمثيل الدور الوطني المصري العروبي، كالذي كان يتدثر به عمر سليمان وفريقه في ماضي الأيام لرأيت بعض أولئك معجبين بالنظام المصري ومتأثرين بروايته!
ومع هذا، فإنني وفي ظل تعقد الحياة وتعقد
الأحوال وتعقد المواقف، أتمنى تماما أن يحكم الإخوان مصر مع يقيني بأن بعضهم سيتعلمن، وأتمنى تماما أن تحكم حماس غزة والضفة ويكون للقدس سيف طويل ولو تشيع بعض قادتهم.
هذا كلام من نوعية الكلام التي لا تكاد تعجب أحدا.. فهو يُهَيِّج الجميع.. لو كنت أبغي به غير وجه الله لكتمتُ بعضه، أسأل
الله -وهو المطلع على نيتي- أن يجعله في ميزان حسناتي أو يغفره لي.
بقي أمر لطيف، رأيته يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي عند أصحابنا المثاليين، يقولون: ونحن -الثوار السوريين- نشكر نتنياهو لأنه قصف قوات الأسد ومخازن سلاحه وقصف قوات حزب الله، بل وعالج الإسرائيليون بعض الثوار
السوريين المصابين في المستشفيات الإسرائيلية!
يظن أصحابنا بهذا أنهم يحرجون حركة المقاومة المضطرة لشكر إيران.. وما يحرجون إلا أنفسهم وما يشعرون!
فهل سمعت -يا أيها المثالي- أحدا أنكر على من أصيبوا فعولجوا هناك واستشنع فعلته، وطالبه أن يموت من الإصابة ولا أن تمتد يد يهودي لتعالجه؟!
هل تبرأتَ أنتَ -يا أيها المثالي- ممن عولجوا هناك، باعتبارهم قد خانوا الثورة وعولجوا عند عدو الأمة؟ هل نشرت تخوفاتك من أن يكون هؤلاء قد تهودوا دينيا أو جرى استقطابهم كعملاء لإسرائيل حين كان يقدم لهم العلاج؟!
هل رأيتَ أحدا من جمهور المقاومة كان حزينا، أو تحول إلى دعم بشار، لأن
إسرائيل قصفت قوات الأسد أو مخازنه أو قوات حزب الله التي تقتل الشعب السوري؟!
بل أقول، والله لو أن إسرائيل ألقت إليكم سلاحا لتقاتلوا به فقاتلتم ما كنت لألومكم.. وكيف ألوم أحدا يتعرض للقتل ثم يلقى إليه ما قد ينقذه ويدفع به الذبح عن نفسه فيتورع عنه ويرفضه؟!!
هوّن على نفسك يا أيها المثالي.. هوّن على نفسك، واعلم أن للجميع جراحات، وستبقى جراحاتنا مختلفة ما دمنا لسنا دولة واحدة، وستبقى أولوياتنا مختلفة ما دمنا لسنا دولة واحدة، وستبقى حساباتنا ومصالحنا ومفاسدنا مختلفة ما دمنا لسنا دولة واحدة.. هذه حقيقة واقعية، يجب أن نفهمها حتى ونحن
نكافح لإنهائها والتغلب عليها.
أعرف أني سأتلقى سيلا من الشتائم.. لن يهمني.. إنما كتبت هذا الكلام لمن يعقله حتى ولو خالفني فيه.. ويكفي أنني أردت -أحسبني- به وجه الله، ومصلحة الأمة، وترشيد عقل العاملين لها.
• • •
Missing some Tweet in this thread? You can try to
force a refresh
هذه الفقرة من كتاب "القضية الفلسطينية" للدكتور محسن صالح. وهو من الكتب التأسيسية لمن أراد أن يقرأ عن القضية الفلسطينية.
وجدتُ في هذه الفقرة فرصة مناسبة للإشارة إلى معنى مهم، أتوقع أن الحدث الحالي يجعل فرصة وصوله للعقول أسرع وأوضح.
يتصور الناس أن القانون تضعه السلطة لتنظيم عمل
المجتمع ولئلا يأكل القوي الضعيف. هذا الظنّ -إن صح- ليس إلا شيئا هامشيا بسيطا من أهداف القانون.
الغرض الأساسي للقانون الذي تضعه أي سلطة هو إخضاع الناس لها، بحيث تكون مخالفة السلطة ليست رأيا ووجهة نظر وعملا يحتمل القبول، بل تكون اعتداءا على "مقدس، ومحترم" وهو "القانون".
الوظيفة الأولى للقانون هو شرعنة الوضع الذي وصل إليه القوي، مهما كان وصوله إلى هذا الوضع دمويا ولا أخلاقيا.
البيان رقم 1 هو البيان الذي يجعل القانون السابق لاغيا، ويجعل الاعتراض على الوضع الجديد عملا غير مشروع. وبه تتبدل الأوضاع القانونية، فيصير ما كان مشروعا بالامس مجرما اليوم،
كان مبارك الكنز الاستراتيجي لإسرائيل، كما وصفه إسرائيليون، وكان يسمح لإعلامه ومشايخه ومنافقيه أن يهاجموا إسرائيل هجوما شرسا لاذعا! وكان من أشهر ألسنة مبارك أحمد عمر هاشم الذي كان رئيسا لجامعة الأزهر دهرا من الزمن، وكان عضوا معينا بالبرلمان،
فإذا حان وقت التجديد لمبارك أو التمديد لقانون الطوارئ رأيت أحمد عمر هاشم يسل لسانه الفصيح في تأييد مبارك وتمديد الطوارئ.
وأما الملك حسين، ملك الأردن، فرغم كل ما كان معروفا عن عائلته، ورغم كل ما عُرِف عنه فيما بعد، إلا أنه كان مثالا لنموذج الملك العربي، ولقد قام بدور خطير جدا
أيام حرب الخليج الثانية حين كادت تنفلت الطاقة الفلسطينية والأردنية ضد إسرائيل، فأدى تمثيلية خطيرة تصنع بها أنه مع العراق فاستطاع اعتقال الطاقة الشعبية أن تنفلت منه، ثم نكص على عقبيه بمجرد أن بدأ الهجوم الأمريكي على العراق.. ثم من ذا ينسى موقفه "الشهم" بعد محاولة اغتيال خالد مشعل
إذا أردت أن تسمع كلاما مفيدا في شأن القدس والأقصى فسأخبرك بهذه الخلاصة:
كل الطرق المتاحة لتحرير الأقصى غير قانونية ولا شرعية بمفهوم القوانين المحلية والقانون الدولي والنظام العالمي!
وكل الطرق المتاحة قانونيا ودوليا هي طرق بلهاء سفيهة تافهة لن توصلك إلى التحرير ولو بعد ألف سنة!
فإذا كنتَ صادقا في الرغبة لتحريره، فاعلم أنك ستكون خارج القانون، ضد النظام، ربما تتحول إلى سجين أو مطارد أو مطلوب للسلطات في بلدك أو للانتربول الدولي!
واعلم أن مفاتيح تحرير الأقصى في القاهرة ودمشق وعمان ورام الله والرياض وأبو ظبي، والمعركة في هذه العواصم أشد شراسة وعنفا وجحيما
لسبب بسيط: أن العملاء الذين يحكمون هذه العواصم يُضَيِّعون وضوح الصورة، ويستعملون أموال الأمة ومواردها وأبناءها وعلماءها في تشويه الحقيقة وتغييب الجمهور، وفي حرب كل من يعمل على تحرير الأقصى باعتبارهم خطرا على الأوطان واستقرارها.
يبدو أن ردة الفعل كانت عاتية على السويدان، حتى اضطر للانحناء أمام العاصفة، وكتب منشورا استعمل فيه مهاراته في التلوّن، وتلك عادته!! بل لقد أخرج من جعبته كتابا كتبه في السبعينات، يوم كان يكاد يكون سلفيّا قُحا، حتى إن زملاءه في الدراسة بأمريكا يروون عنه عجائب لا يصدقها من يعرفه الآن
بعيدا الآن عن السويدان نفسه..
وبعيدا كذلك عن أن مشكلة السويدان لم تكن منشوريْه اللذيْن كتبهما في الأيام الماضية، إذ سيرته في السنوات العشرين السابقة على الأقل طافحة بالمشكلات والتصورات..
بعيدا عن هذا كله، سأحاول أن أخبرك بأمرٍ ينفعك في تقييم حال المنتسبين إلى العلم والدعوة..
إن بعض الناس تخرج من درسه أو كتابه وقد امتلأت نفسك بهمّ الإسلام، وازددت به إيمانا، وزاد في قلبك بغض الكفر والظلم والجاهلية، وربما بعث فيك الحماسة للعمل في سبيل الدين.
ولكن بعض الناس تخرج من درسه أو كتابه، وقد امتلأت نفسك ببغض التشدد والمتشددين، وشعرت بهمّ إيجاد تفسير جديد
لماذا لن يحتفي السيسي بفتح مصر أو بالمخطوطات الإسلامية أو بآثار المماليك؟.. لماذا الاحتفال حصرا بالآثار الفرعونية؟!
هذا مقتطف من مقال قديم:
"في نظريته الشهيرة "الجماعات المتخيلة" يتحدث عالم الاجتماع الشهير بندكت أندرسون عن أن هذه الهويات التي تشكلت في العالم الحديث ليست سوى هويات
"مُتَخَيَّلة"، ذلك أنها غير مستمدة من أي حقيقة طبيعية كالدين واللغة والعرق، وإنما هي مصنوعة بأدوات السلطة، والمختصر الموجز لنظريته يفيد بأن السلطة التي امتلكت وسائل مثل الإعلام والجهاز الإداري تمكنت بهذا من أن تصنع هوية للذين تحكمهم، فهي قد صنعت الحدود التي تفصل بين الناس فيكون
من بداخل هذه الحدود مواطنا ورعية لها، تقدم له خطابا إعلاميا يُرَسِّخ هذه الهوية عبر وسيلة الإعلام (منذ الطباعة وحتى التليفزيون) وعبر الإحصاء وعبر المتحف.
ما يهمنا في سياقنا الآن: الإعلام والمتحف، وسنبدأ بالمتحف لأنه الوسيلة التي تعاملت حصرا مع التاريخ، ومن هنا فلقد كان المتحف هو
صورة ميدان التحرير بالأمس، وقد أخذ زخرفه وزينته استعدادا لموكب نقل المومياوات؟!
أم ميدان التحرير نفسه وهو ممتلئ بشباب الثورة، وقد علاهم الغبار وغرقوا في عرقهم وتلطخوا بجراحاتهم؟!
الصورة الأولى تُخْبِر عن سلطة قاهرة مُتَمَكِّنة ذات مال وسطوة ونفوذ وزينة وزخارف،
ولا تخبر عما خلفها من شعب مقهور مطحون مسحوق يعاني من الفقر والجوع والمرض والظلم.
والصورة الثانية تدلّ على شعب يثور، يكافح ليظفر بالتحرر، يشعر في هذا الميدان بالأمن وبالأمل، مع أنه ميدانٌ مُعَفَّر مُغَبَّر تنتشر فيه روائح حريق بعض المركبات وتتناثر على جانبيه الحجارة المُكَسَّرة!!
لا أشك أن هاتين الصورتيْن مثالٌ جديدة سأستخدمه في بيان المعنى الذي طالما احتجت إلى كتابته وشرحه..
المعنى الذي يقول إن العصر الذهبي لأمتنا الإسلامية هو عصر الخلافة الراشدة.. لا هو عصر الأمويين ولا العباسيين ولا العثمانيين!